الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، سبتمبر 10، 2025

المغرب في مرآة عصره الحديث : (25) : المغرب بين تدرّج «العقلنة الدستورية» ومخاض التوازنات السياسية ملف من إعداد عبده حقي


شكّلت السنوات 1992 و1993 و1996 محطة حاسمة في مسار “العقلنة الدستورية” بالمغرب خلال أواخر عهد الحسن الثاني؛ فبين تعديلين دستوريين وانتخابات تشريعية، أعيد ترتيب العلاقة بين الملكية والبرلمان والأحزاب، ورُسمت قواعد انتقالٍ بطيء من “التعددية المقيّدة” إلى تدرّب مؤسسي على التداول والتمثيل.

جاء الاستفتاء الدستوري سنة 1992 في سياق داخلي وإقليمي ضاغط: نهاية الحرب الباردة، إصلاحات اقتصادية وهيكلية، وتنامي المطالب الحقوقية والنقابية. وقد حملت المراجعة زيادةً في عدد مقاعد البرلمان وإعادة توزيعها بما عزّز التمثيل المباشر داخل مجلس النواب، مع إقرار تفاصيل أوضح لدورة التشريع وأدواته، بما أتاح للبرلمان مساحةً أوسع للمبادرة في حدود الضوابط القائمة. كما أثبتت النصوص الرسمية زيادةً في تنظيم المجال القانوني ومحاولة ضبطه بين التشريع والتنظيم، في مسعى إلى تأطير اللعبة السياسية بشكل أوضح.

سياسيًا، شكّل تعديل 1992 إشارة مزدوجة: انفتاحٌ محسوب تجاه الأحزاب والبرلمان، مع إبقاء مركز الثقل التنفيذي والدستوري بيد المؤسسة الملكية. وقد تأكد ذلك لاحقًا مع بناء مؤسسات جديدة مثل المجلس الدستوري ووزارة حقوق الإنسان كصمّامات لتكييف النزاعات السياسية ضمن تعددية مُدارة.

انتخابات يونيو 1993 جاءت بعد تعديل 1992، وأسفرت عن اختراق عددي ملموس للمعارضة التاريخية، خصوصًا الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال. غير أنّ الحكومة بقيت في يد تكنوقراط مدعومين من المؤسسة الملكية، ما أظهر حدود التحول الممكن. وقد عكست النتائج فجوة ثقة واضحة بفعل التقطيع الانتخابي وإدارة العملية، لكن مع ذلك كانت هذه الانتخابات بمثابة تمرين تفاوضي على إمكانية الانتقال، وأرست قاعدة تراكم سياسي للمعارضة سيمهّد لاحقًا لقيام تجربة التناوب التوافقي سنة 1998.

على المستوى البنيوي، مثّلت انتخابات 1993 لحظة اختبار للتوازن: المعارضة اختبرت أدواتها الرقابية، والإدارة السياسية راقبت حدود الانفتاح، بينما الملكية أعادت توزيع الأدوار بما يحفظ مركزية التحكيم.

شكّل تعديل 1996 خطوةً مؤسسية كبرى باستحداث مجلس المستشارين إلى جانب مجلس النواب، أي إقرار ثنائية برلمانية تُدخل الفاعلين الترابيين والمهنيين إلى الدورة التشريعية عبر التمثيل غير المباشر. وهكذا توسّعت خارطة التمثيل من الأحزاب وحدها إلى وسطاء اجتماعيين واقتصاديين، ما أعاد توزيع النفوذ داخل البرلمان ورفع كلفة بناء الأغلبية، لكنه في المقابل وفّر للنظام أداة إضافية لتوازن القوى.

سياسيًا، منحت الثنائية البرلمانية معنىً جديدًا للتفاوض المؤسسي، إذ لم تعد الحكومة تواجه فقط كتلًا حزبية، بل شبكة أوسع من ممثلين محليين ومهنيين، وهو ما أطال زمن صناعة القرار وقلّص حدة الاستقطاب. وقد ساعد ذلك في تمهيد الطريق نحو تجربة التناوب سنة 1998، التي لم تكن قفزة مفاجئة، بل نتيجة مسار تراكمي بدأ مع تعديلات 1992.

حصيلة المرحلة: “التدرّب على السياسة” داخل قيدٍ بنيوي

بين 1992 و1996، يمكن تلخيص المرحلة في ثلاث سمات كبرى:

توسيع مضبوط للمجال التشريعي والتمثيلي عبر تقوية البرلمان ثم استحداث غرفة ثانية.

معارضة قوية داخل صناديق منضبطة سمحت لها بالتمدد التمثيلي دون القدرة على تغيير قواعد اللعبة.

مأسسة التعددية كأداة ضبط جعلت السياسة تمر أكثر عبر اللجان والقنوات الدستورية وأقل عبر الشارع أو الصدام المباشر.

هذه السمات الثلاث رسمت ملامح انتقالٍ تدريجي نحو تداولٍ مُدار، حيث يُتاح للمعارضة التمرين على السلطة ضمن حدود مضبوطة، في حين تحافظ المؤسسة الملكية على موقعها المحوري.

المراجع والمصادر

دستور المغرب (1992، 1996) – الجريدة الرسمية المغربية.

NATLEX (منظمة العمل الدولية): ملخص التعديلات الدستورية 1996.

الاتحاد البرلماني الدولي (IPU Parline): قاعدة بيانات الانتخابات التشريعية 1993.

أرشيف لوموند (يونيو 1993): تقارير حول المشاركة وصعود المعارضة.

مجلس النواب المغربي: صفحات خاصة بالدساتير وتاريخها.

Catusse, M. Beyond “Opposition to His Majesty”, مجلة Pouvoirs, 2013.

Bennani-Chraïbi, M. Revue française de science politique, 2013.

IREMAM/OpenEdition: دراسات عن الانتخابات وهندسة الحقل السياسي المغربي.

عرض المجلس الدستوري الفرنسي حول الإصلاحات المغربية بعد 1992.

روابط مكتبات رقمية

WIPO/WIPOLEX –  نصوص الدساتير المغربية

Gazettes Africa – أرشيف الجريدة الرسمية المغربية

OpenEdition/IREMAM – دراسات الانتخابات المغربية

Cairn.info – مقالات حول التعددية المقننة

IPU Parline – قاعدة بيانات الانتخابات

يتبع


0 التعليقات: