الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، سبتمبر 09، 2025

الروائية "سالي روني" في مواجهة السجن لدعمها لفلسطين: عبده حقي


في خطوة وُصفت بالجرأة السياسية والأدبية، وجدت الروائية الأيرلندية الشهيرة سالي روني نفسها في قلب عاصفة سياسية وقضائية قد تُفضي بها إلى السجن. السبب يعود إلى قرارها الأخير بتحويل حقوق مؤلفاتها لصالح حركة العمل من أجل فلسطين

 (Palestine Action)، وهي منظمة بريطانية صنفتها حكومة لندن مؤخراً في خانة "المنظمات الإرهابية".

روني، التي اشتهرت برواياتها الناجحة مثل الناس العاديون (Normal People) وعالم جميل، أين أنت ؟ (Beautiful World, Where Are You?)، لم تُخف يوماً مواقفها المناهضة للاستعمار والهيمنة الغربية، ولا تعاطفها الواضح مع القضية الفلسطينية. لكن هذه المرة، انتقلت من الموقف الرمزي إلى الفعل المادي والمباشر، ما جعلها في مواجهة مباشرة مع القوانين البريطانية التي تجرّم أي تمويل أو دعم مادي لكيانات مدرجة على لوائح الإرهاب.

قرار الحكومة البريطانية إدراج "العمل من أجل فلسطين" في قائمة المنظمات الإرهابية جاء في سياق سياسي محتدم، حيث صعّدت لندن من إجراءاتها تجاه الحركات التي تُدين التعاون العسكري مع إسرائيل أو تستهدف شركات متورطة في صفقات الأسلحة. هذه المنظمة اشتهرت منذ سنوات بتنظيم اعتصامات وعمليات اقتحام رمزية لمقار شركات تصنيع الأسلحة، احتجاجاً على استخدامها في غزة والضفة الغربية.

وبموجب القانون البريطاني، فإن أي تحويل مالي لهذه المنظمة يُعتبر جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدد قد تصل إلى عشر سنوات، وهو ما يجعل روني عرضة لمتابعة قضائية صارمة.

القضية لا تتعلق فقط بشخصية أدبية، بل بمكانة رمزية. فـالكاتبة سالي روني تُعدّ أيقونة في الأدب العالمي المعاصر، وصوتاً بارزاً لجيل كامل من الكتّاب الشباب الذين يمزجون بين السرد الفني والمواقف السياسية. ولذا فإن ملاحقتها قضائياً ستُثير جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية، ليس فقط في بريطانيا وإيرلندا، بل عبر أوروبا والعالم.

كثير من النقاد يرون أن روني قد أعادت إحياء تقليد الأدباء الملتزمين، حيث يتحول القلم إلى سلاح، والحقوق الأدبية إلى شكل من أشكال المقاومة. في المقابل، يعتبر خصومها أن ما قامت به "انزلاق نحو التطرف" يهدد مكانتها الأدبية، وقد يضع دار النشر التي تتعامل معها تحت ضغط سياسي وإعلامي كبير.

منظمات حقوقية أوروبية قد ترى في ملاحقة روني محاولة لتكميم الأصوات المؤيدة لفلسطين، خاصة في ظل الانتقادات المتزايدة لسجل الحكومة البريطانية تجاه حرية التعبير. أما في العالم العربي، فمن المرجح أن تتحول روني إلى رمز جديد للتضامن الثقافي مع القضية الفلسطينية، بما يعزز حضورها خارج حدود الرواية إلى فضاءات النضال السياسي.

ما يجري اليوم هو بكل يقين معركة رمزية بين الأدب كفضاء حر للتعبير وبين السلطة السياسية كجهاز رقابة وعقاب. سالي روني قد تدخل السجن، لكن موقفها سيجعل اسمها يتردد أكثر من أي وقت مضى، لتصبح رواياتها مقرونة بالفعل السياسي المباشر.

في النهاية، قد يُقال إن روني كتبت رواية جديدة، لكن هذه المرة ليس على الورق، بل في قلب التاريخ، بعنوان: "الحرية أثمن من الجوائز".

0 التعليقات: