تستعد كل من المغرب والجزائر لخوض غمار التنافس على مقعد في المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وهو أحد أهم الأجهزة التي ترسم السياسات الثقافية والتعليمية والعلمية العالمية. غير أن هذا التنافس لا يخلو من خلفيات سياسية، إذ من المتوقع أن تنتقل الخلافات التاريخية والهوياتية بين البلدين إلى واجهة المشهد الأممي.
بالنسبة للجزائر، فإن ترشيحها يدخل ضمن سعيها المتواصل إلى تعزيز حضورها الدبلوماسي عبر المؤسسات الدولية، واستثمار هذه المواقع لإبراز روايتها الخاصة في قضايا إقليمية، وعلى رأسها نزاع الصحراء. غير أن محاولاتها في السابق لم تثمر عن تأثير ملموس داخل اليونسكو، حيث غالبًا ما اصطدمت مواقفها ببرودة تفاعل المجتمع الدولي.
أما المغرب، فقد راكم
تجربة غنية وملموسة في مجال التعاون مع اليونسكو عبر مبادرات نوعية جعلت من المملكة
فاعلًا مرجعيًا في مجالات الثقافة والتراث. إن المغرب كان سبّاقًا إلى إدراج مواقع
تاريخية بارزة ضمن قائمة التراث العالمي، مثل مدينة فاس العتيقة، مراكش، مكناس، والصويرة،
فضلًا عن مساهماته المتواصلة في حماية الموروث غير المادي، حيث نجح في تسجيل عناصر
مميزة من تراثه الشعبي ضمن سجلات المنظمة، كالطاجين المغربي، فن الملحون، وطقوس الصيد
بالصقور وفنون الزليج والقفطان.
إن هذا الرصيد الثقافي،
المدعوم برؤية استراتيجية للمغرب في الانفتاح على إفريقيا والعالم العربي، يمنحه مصداقية
متجددة داخل اليونسكو، إذ لا يقتصر حضوره على الجانب الرمزي بل يتعداه إلى شراكات عملية
في مجالات التربية والعلوم. المغرب، من خلال برامجه الوطنية والدولية، أثبت أنه قادر
على الموازنة بين صيانة هويته الثقافية والانخراط في الحداثة العلمية والمعرفية، وهو
ما يجعل عضويته في المجلس التنفيذي إضافة نوعية للمنظمة.
وعليه، فإن التنافس
المقبل في أروقة اليونسكو لن يكون مجرد سباق إجرائي على مقعد، بل هو انعكاس لصراع أوسع
بين مشروعين متباينين: مشروع يسعى إلى استثمار المؤسسات الأممية لأجندات ظرفية
وعابرة، وآخر يراهن على القوة الناعمة والثقافية للمساهمة في صياغة مستقبل مشترك للإنسانية.
وفي هذا السياق، يظل المغرب في موقع قوة، بما يمتلكه من رصيد حضاري وديبلوماسية ثقافية
أثبتت فعاليتها عبر الزمن.
لا يقتصر حضور المغرب
في منظمة اليونسكو على البعد الدبلوماسي أو الرمزي فحسب، بل يمتد ليشمل مبادرات عملية
وملموسة جعلت منه فاعلًا أساسياً في صون التراث وتعزيز التنمية المستدامة. فقد تمكنت
المملكة، بفضل غناها الحضاري وتنوعها الثقافي، من إدراج عدد من مدنها التاريخية مثل
فاس العتيقة، مراكش، مكناس، والصويرة ضمن قائمة التراث العالمي للإنسانية، وهو ما عزز
إشعاعها كوجهات كونية للتاريخ والذاكرة.
إلى جانب ذلك، أولى
المغرب أهمية خاصة للتراث غير المادي، فتم تسجيل عناصر ثقافية أصيلة مثل موسم طانطان
(2005) باعتباره تراثًا شفهيًا للإنسانية، وفن الملحون والموسيقى الأندلسية كجزء من
الهوية الجماعية التي تتجاوز الحدود الوطنية. كما أسهم المطبخ المغربي برمزيته في هذا
المسار، ليتحول إلى جسر للتواصل بين الثقافات.
في المجال التعليمي،
شارك المغرب بفاعلية في برامج اليونسكو مثل "التعليم للجميع"، وأطلق مشاريع
وطنية لمكافحة الأمية بدعم مباشر من المنظمة، الأمر الذي عزز صورته كدولة تراهن على
المعرفة كمدخل للتنمية. أما في الجانب العلمي والبيئي، فقد كانت محمية المحيط الحيوي
في الأطلس الكبير نموذجًا لانخراط المغرب في الشبكة العالمية لمحميات اليونسكو، إلى
جانب مساهماته في مبادرات مرتبطة بالماء والطاقات المتجددة.
كما لم يغفل المغرب
عن دوره الإفريقي، حيث نسج علاقات شراكة مع اليونسكو لصون التراث الثقافي الإفريقي،
تأكيدًا على التزامه بدعم التنوع الثقافي للقارة وتعزيز مكانتها داخل الفضاء الأممي.
إن هذه المبادرات،
بما تحمله من بعد ثقافي وتعليمي وبيئي، تؤكد أن المغرب لم يكتفِ بالمشاركة الشكلية
داخل المنظمة، بل عمل على تحويل عضويته إلى رصيد مؤثر يعكس توازنه بين صون الهوية والانفتاح
على رهانات المستقبل. وهو ما يجعله في موقع استراتيجي قوي في أي منافسة مقبلة داخل
أروقة اليونسكو.
0 التعليقات:
إرسال تعليق