الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، سبتمبر 28، 2025

قراءة في سيرة الروائية الأمريكية فريدة ماكفادن : ترجمة عبده حقي


يشهد الأدب العالمي اليوم موجة متصاعدة من الأعمال البوليسية والنفسية، حيث يتسابق القرّاء على اقتناء الروايات التي تمزج بين الغموض النفسي والإثارة السردية. وفي قلب هذه الموجة برز اسم فريدة ماكفادن (Freida McFadden)، الكاتبة الأمريكية التي تحولت في وقت وجيز إلى واحدة من أهم الأصوات في هذا النوع الأدبي، بعدما تصدرت كتبها قوائم الأكثر مبيعاً في نيويورك تايمز (New York Times) ويو إس إيه توداي (USA Today)  و وول ستريت جورنال (Wall Street Journal).

لم تأتِ شهرة ماكفادن من فراغ. فهي في الأصل طبيبة متخصصة في إصابات الدماغ، وهو مجال يضعها يومياً في مواجهة مباشرة مع أعقد الأسئلة حول الوعي والذاكرة والسلوك البشري. هذه التجربة العلمية انعكست في كتاباتها، فجعلتها قادرة على الغوص في أعماق شخصياتها الروائية، وإبراز هشاشتها النفسية وتشابك دوافعها. وهكذا، أصبح القارئ يشعر أن كل رواية ليست مجرد قصة بوليسية بل تجربة عقلية ونفسية تُحاكي واقع الحياة المعاصرة.

سلسلة الخادمة (The Housemaid): نموذج لنجاح عالمي

يُجمع النقاد على أن رواية الخادمة (The Housemaid) كانت نقطة التحول الكبرى في مسارها. فهذه الرواية، التي فتحت الباب أمام جزأين لاحقين: سر الخادمة

(The Housemaid’s Secret)  والخادمة تراقب (The Housemaid Is Watching)، صاغت نموذجاً جديداً في أدب التشويق، حيث يلتقي السرد المحكم مع بناء نفسي متين للشخصيات. نجاح السلسلة لم يقتصر على القرّاء، بل جذب هوليوود (Hollywood) أيضاً، إذ حصلت شركة لايونزغيت (Lionsgate) على حقوق تحويلها إلى فيلم سينمائي. هذا الانتقال من الورق إلى الشاشة يعكس المكانة العالمية التي حققتها الكاتبة في ظرف وجيز.

أعمال أخرى تعيد تعريف التشويق

إلى جانب ثلاثية الخادمة (The Housemaid)، كتبت ماكفادن أعمالاً مثل لا تكذب أبداً (Never Lie) والنزيل (The Inmate) والمعلّم (The Teacher) وزميل العمل

(The Coworker). وكل واحدة منها تقدم رؤية مختلفة لعلاقة الإنسان بالسلطة والخوف والحقيقة. اللافت أن رواية زميل العمل (The Coworker) تم التعاقد بشأنها مع سوني (Sony)  لتحويلها إلى عمل سينمائي، ما يعكس الطلب المتزايد على قصصها في سوق الترفيه العالمي.

موقعها في سياق الأدب البوليسي العالمي

تأتي فريدة ماكفادن ضمن موجة معاصرة يقودها كتاب مثل جيليان فلين

(Gillian Flynn)  صاحبة الفتاة المفقودة (Gone Girl) وبولا هوكينز (Paula Hawkins)  صاحبة الفتاة في القطار (The Girl on the Train)، والذين أسسوا لنمط سردي يقوم على استكشاف أعماق النفس البشرية أكثر مما يركز على الجريمة التقليدية. هذه الموجة جعلت الرواية البوليسية تتحول من مجرد لغز جنائي إلى مرآة تعكس هواجس الإنسان المعاصر، من الوحدة والعزلة إلى الخوف من الخيانة وفقدان السيطرة. وفي هذا السياق، تميزت ماكفادن بقدرتها على جعل القارئ العربي والغربي سواءً يشعر أن القصة تتحدث عن واقع يعيشه أو يخشى أن يعيشه.

حضور في الأسواق العربية

ورغم أن أغلب أعمال فريدة ماكفادن لم تُترجم بعد إلى العربية، إلا أن شهرتها تتسرب تدريجياً إلى القرّاء العرب، خاصة مع انتشار مراجعاتها على المنصات الرقمية مثل غودريدز (Goodreads) ويوتيوب (YouTube) وإنستغرام (Instagram). ومن المرجح أن تصبح ترجماتها مطلوبة في السنوات القادمة، خصوصاً وأن القارئ العربي يعيش بدوره عطشاً للأعمال البوليسية والنفسية التي تتقاطع مع قضاياه الاجتماعية.

بين العلم والإبداع

يبقى ما يميز فريدة ماكفادن عن غيرها هو هذا الجسر الذي تبنيه بين المعرفة العلمية والخيال الروائي. فهي تكتب من داخل خبرتها الطبية، لكن بلغة قادرة على شدّ القارئ حتى الصفحة الأخيرة. وبذلك، تعكس نموذجاً للكاتب المعاصر الذي يجمع بين التخصص الأكاديمي والحس الأدبي، في زمن صار الأدب فيه جزءاً من صناعة عالمية تتجاوز حدود اللغة والثقافة.

بهذا المعنى، يمكن القول إن فريدة ماكفادن ليست مجرد كاتبة روايات تشويق، بل هي صوت عالمي يساهم في إعادة تعريف الأدب البوليسي المعاصر، ويضع بصمتها بجوار كبار كتّاب هذا الجيل. وربما يكون دخولها المتوقع للأسواق العربية عبر الترجمة هو الخطوة التالية لتكريس حضورها ككاتبة عالمية تُقرأ بلغات وثقافات متعددة.

0 التعليقات: