الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أكتوبر 14، 2025

تانِيلا بوني… صوت إفريقيا الذي يغنّي إنسانيتها


في موسمٍ ثقافيٍّ تتداخل فيه الذاكرة بالشعر، والمقاومة بالجمال، استضافت فعاليات “أصيلة الثقافي الدولي” الدورة السادسة والأربعين الشاعرة الإيفوارية تانِيلا بوني، لتُكرَّم بجائزة “تشيكابا أوتامسي” للشعر الإفريقي، تقديراً لمسيرتها التي جعلت من الكلمة جسراً بين الشعوب الإفريقية وصوتاً حراً يناهض التهميش والظلم.

شاعرة تكتب من جذر إفريقيا إلى قلب الإنسانية

منذ بداياتها، اختارت تانِيلا بوني أن تكتب من موقع الصدق، حيث الشعر ليس ترفاً بل موقف وجوديّ. في قصائدها، يتجاور الألم بالأمل، والذاكرة بالتحرر. فهي تؤمن أن الكلمة الإفريقية لا يجب أن تُختزل في الفولكلور، بل أن تُقدَّم كفعل مقاومة ضدّ النسيان.
وفي خطابها أثناء تسلّم الجائزة، عبّرت عن فخرها بكونها “ابنة إفريقيا المتعددة الأصوات”، مؤكدة أن الشعر اليوم هو آخر حصن للدفاع عن إنسانية القارة في وجه العولمة المتوحشة.

جائزة تحمل بصمة الوفاء للقارة السوداء

جائزة “تشيكابا أوتامسي”، التي استحدثها منتدى أصيلة الثقافي، تحمل اسم الشاعر الكونغولي الراحل الذي كرس حياته لتجديد الشعر الإفريقي والدفاع عن هويته الثقافية. وتمنح الجائزة كل عام لشاعر يمثل روح إفريقيا المعاصرة.
اختيار تانِيلا بوني جاء تتويجاً لمسار إبداعي طويل جمع بين الشعر والفكر النسوي والبحث في قضايا الهوية، إذ تعتبر من أبرز الأصوات التي أعادت تعريف “الأنثى الإفريقية” بعيداً عن الصور النمطية، ومنحتها عمقاً إنسانياً وأفقاً فلسفياً.

بين الفلسفة والقصيدة… كتابة تحاور العالم

إلى جانب شعرها، تُعدّ تانِيلا بوني أستاذة للفلسفة وكاتبة مقالات نقدية، نشرت العديد من الكتب التي تناقش علاقة الأدب بالسياسة وبالآخر، من بينها “الذات في مواجهة العولمة” و“أنثى إفريقيا”.
إنها شاعرة تجمع بين التحليل العميق والحس الجمالي، وبين الانخراط الفكري والحنين إلى البساطة الأولى في الطبيعة واللغة.
في كلماتها، تصير القارة الإفريقية كائناً يتنفس ويغني ويعاني، لكنها لا تفقد قدرتها على الحلم.

أصيلة… فضاء الشعر والحوار الإفريقي

موسم أصيلة الثقافي لم يكن مجرد منصة للتكريم، بل مناسبة لإحياء الحوار الإفريقي – الإفريقي في زمن الانقسام العالمي. فقد اجتمع شعراء ومفكرون من مختلف البلدان لتأكيد أن الثقافة يمكن أن تكون طريقاً للوحدة، وأن إفريقيا ليست “هامش العالم”، بل قلبه النابض بالحياة.
ومن خلال هذا التكريم، أكد المنتدى الثقافي لأصيلة، برئاسة محمد بنعيسى، التزامه الدائم بإبراز الإبداع الإفريقي في فضاء مغربي منفتح على القارات.

إفريقيا التي تتكلم بالشعر

لقد مثّلت لحظة تسلّم تانِيلا بوني للجائزة رمزاً لوفاء المغرب لإفريقيا الثقافية والإنسانية. فالجائزة ليست مجرد درعٍ أدبي، بل اعترافٌ بأن القارة التي أنجبت سنغور وسويونكا وتشيكابا لا تزال قادرة على إنجاب أصوات جديدة تصوغ وجودها بالشعر.

وفي نهاية الحفل، خاطبت الشاعرة الحضور بعبارة تلخّص فلسفتها الشعرية:

“حين أكتب، لا أبحث عن الجمال فحسب، بل عن العدالة التي تُعيد إلى الإنسان لونه الحقيقي في مرآة العالم.”

0 التعليقات: