الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الجمعة، أكتوبر 24، 2025

ChatGPT يودّع واتساب بعد أقل من عام على إطلاقه بقلم: عبده حقي


في خطوة فاجأت الملايين من المستخدمين حول العالم، أعلنت شركة
OpenAI المطوّرة لروبوت المحادثة الشهير ChatGPT، عن إيقاف عمله بشكل شبه كامل داخل تطبيق المراسلة الفورية واتساب، وذلك ابتداءً من 15 يناير 2026. وجاء هذا الإعلان ليضع نهاية لتجربة لم تدم سوى أقل من عام، كانت قد أثارت منذ بدايتها اهتماماً واسعاً في الأوساط التقنية والإعلامية نظراً لدمج الذكاء الاصطناعي في أكثر تطبيقات التواصل انتشاراً في العالم.

 جاء قرار الإيقاف بعد تغييرات جذرية أدخلتها شركة ميتا المالكة لتطبيق واتساب على سياسات استخدام واجهة البرمجة الخاصة بقطاع الأعمال (WhatsApp Business API). هذه السياسات الجديدة تمنع أي طرف ثالث من استخدام المنصة لتشغيل "مساعدات ذكاء اصطناعي عامة"، وهو ما يعني عملياً إغلاق الباب أمام روبوتات مثل ChatGPT. وبرّرت ميتا قرارها بأن الهدف من واجهة واتساب للأعمال هو تسهيل التواصل بين الشركات والعملاء من خلال خدمات مثل الإشعارات والتأكيدات وخدمة الزبناء، وليس تحويل المنصّة إلى ساحة لمحادثات مفتوحة مع ذكاء اصطناعي خارجي لا يخضع لرقابة الشركة.

 يُذكر أن تجربة ChatGPT على واتساب انطلقت أواخر عام 2024، واستقطبت خلال أشهر قليلة عدداً هائلاً من المستخدمين الذين وجدوا في الجمع بين سهولة واتساب وقدرات ChatGPT نموذجاً فريداً للتفاعل اليومي مع الذكاء الاصطناعي. لكن هذا الحلم الرقمي لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما اصطدم بالتعقيدات القانونية والتجارية التي تحكم المنصات الكبرى، لتتخذ OpenAI قرارها بإنهاء التجربة مع نهاية العام.

 تداعيات القرار لم تتأخر في الظهور. فالمستخدمون الذين اعتادوا على التفاعل مع ChatGPT داخل واتساب سيفقدون إحدى أكثر القنوات سهولة للوصول إلى خدمات الذكاء الاصطناعي، وسيتعيّن عليهم الانتقال إلى التطبيق الرسمي لـChatGPT أو موقعه الإلكتروني. كما أن عدداً من الشركات الناشئة التي بنت نماذج أعمالها على تقديم خدمات ذكاء اصطناعي عبر واتساب ستتأثر بشدّة، إذ لم تعد المنصّة تسمح بوجود مثل هذه الروبوتات العامة. في المقابل، يبدو أن شركة ميتا تسعى إلى تعزيز حضور مساعدها الذكي الخاص Meta AI ليكون الخيار الوحيد المتاح داخل تطبيقاتها.

 هذا التحوّل يعكس في جوهره طبيعة العلاقة المتوترة بين شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث تتنافس كل منها على السيطرة على قنوات الوصول إلى المستخدمين. فبينما تسعى OpenAI إلى توسيع انتشارها عبر المنصّات المختلفة، ترى ميتا أن من حقها حماية منظومتها التجارية وحصر استخدام واجهاتها بما يتوافق مع رؤيتها الخاصة. إنه صراع صامت بين عمالقة التكنولوجيا حول من يملك "نافذة المستخدم" في عالم الذكاء الاصطناعي المتسارع.

 من جهة أخرى، يطرح هذا القرار تساؤلات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي داخل تطبيقات المراسلة. فهل ستتحول هذه التطبيقات إلى فضاءات مغلقة تتحكم فيها شركاتها المالكة بشكل مطلق، أم سنشهد ولادة منصّات بديلة مفتوحة تتيح حرية أكبر في دمج الذكاء الاصطناعي؟ يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة رسم لحدود التفاعل بين الإنسان والآلة، ليس فقط من الناحية التقنية، بل أيضاً من الناحية القانونية والاقتصادية.

 بالنسبة للمستخدمين العرب، وخاصة في المغرب والعالم العربي، فإن هذه الخطوة تذكير بضرورة تنويع قنوات الوصول إلى التكنولوجيا وعدم الارتهان لمنصّة واحدة. فمن يعتمد اليوم على واتساب كممرّ أساسي للتواصل مع الذكاء الاصطناعي عليه أن يتهيأ لاستخدام تطبيق ChatGPT الرسمي أو موقعه الإلكتروني، وأن يحتفظ بنسخ من محادثاته المهمة قبل موعد الإيقاف.

 ختاماً، فإن خروج ChatGPT من واتساب بعد أقل من عام على ظهوره ليس مجرّد واقعة تقنية عابرة، بل هو مؤشر على التحوّلات العميقة التي يعيشها العالم الرقمي اليوم، حيث تتقاطع المصالح بين المنصّات الكبرى وشركات الذكاء الاصطناعي في معركة السيطرة على المستقبل. وكما يقال في لغة الأعمال الحديثة: “من يملك المنصّة يملك المستخدم”، غير أن المستقبل ربما يحمل لنا جيلاً جديداً من التطبيقات التي ستعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي على نحو أكثر استقلالاً وحرية.

 عبده حقي

0 التعليقات: