الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الجمعة، نوفمبر 28، 2025

خريطة الإصدارات العربية الجديدة ودور النشر في المغرب والعالم العربي سنة 2025: عبده حقي


 يواصل الكتاب العربي شقّ طريقه بهدوء لكن بإصرار لافت. سنة 2025 تبدو، حتى الآن، سنةً حافلةً بجيلٍ جديدٍ من الإصدارات وبحضورٍ متجدّد لدور النشر العربية، من الرباط والدار البيضاء، إلى بيروت والقاهرة، مروراً بالجزائر وأبوظبي، حيث تتحوّل معارض الكتاب إلى فضاءاتٍ مفتوحة لتجريب سياسات نشر جديدة واستقطاب قرّاء جدد.

عرف المشهد المغربي خلال السنوات الأخيرة دينامية ملحوظة في عدد دور النشر وتنوّع كاتالوغاتها. تقارير متخصّصة ترصد اليوم أكثر من خمسين دار نشر فاعلة في المغرب، من بينها طبعات توبقال، دار الفنك، المشرق الإفريقي، دار مرسم، منشورات يوماد، ودار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع وغيرها، إلى جانب دور أصغر موزّعة بين الرباط والدار البيضاء ومدن أخرى. 

هذه الدور لا تكتفي بإعادة طباعة الكتب الكلاسيكية، بل تفتح أجنحتها لأعمال روائية وفكرية جديدة، وترجمات في الفلسفة والعلوم الإنسانية والأدب العالمي، ما يساهم في تكوين مكتبة مغربية متنوّعة المراجع واللغات. ويبرز في هذا السياق نشاط دور مثل دار الأمان بالرباط التي أعلنت عن طبعة جديدة لرواية «الصورة الكبيرة» سنة 2025، في إشارة إلى استمرار الاستثمار في الأعمال السردية طويلة النفس ومحاولة إعادة تقديمها لجيل جديد من القرّاء. 

على مستوى الفعاليات، يشكّل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط محطةً مركزية في خريطة النشر المغربية. فالدورة الثلاثون للمعرض، التي تُنظَّم سنة 2025 تحت الرعاية الملكية، تستقبل أزيد من سبعمئة عارض بين دور نشر ومؤسسات ثقافية ومراكز بحث، ما يجعلها فضاءً عربياً وإفريقياً واسعاً لتداول الجديد في عالم الكتاب وتعزيز حضور دور النشر المغربية في شبكات التوزيع الإقليمية. 

في موازاة ذلك، تواصل دور مثل دار الآفاق المغربية تحديث كاتالوغها وفق سنة الإصدار، مع تركيز خاص على منشورات 2025، الأمر الذي يعكس إرادةً في إسناد الكتاب المغربي المعاصر بوصفه مادةً قابلة للتصدير إلى العالم العربي وإفريقيا، لا مجرد إنتاج محلي محدود التداول. 

في المشرق العربي، تحافظ بيروت على موقعها كعاصمة رمزية للنشر العربي من خلال دور عريقة في مقدّمتها دار الآداب، التي تأسّست سنة 1956 وما تزال إلى اليوم من أهم البيوت التي تراهن على الرواية العربية الحديثة والترجمة. 

خلال 2025، أعلنت دار الآداب عن حزمة من الإصدارات الجديدة، من بينها روايات «غزة الناجية الوحيدة» لغادة الخوري، «أغنية التمر والتين» لعبد الله الحواس، «أيتها القبرة» للحبيب السالمي، و*«ثمرة النار»* لحنين الصايغ، إضافة إلى أعمال أخرى مثل «تمويه» لعدنية شبلي و*«هناك أنهار في السماء»* لأليف شافاق، وكتب أخرى تصنّف ضمن قائمة «جديد الدار». 

وتضيف الدار في قائمة منشوراتها لعام 2025 عناوين فكرية مثل كتاب «ترف الانكفاء» لوائل الحفظي، ما يؤكّد استمرار خيارها في الجمع بين السرديات الجديدة والكتابات الفكرية والنقدية. 

لا يقتصر دور الآداب على النشر فحسب، بل تعمل على «دمقرطة» سياسة قبول المخطوطات عبر لجنة قراءة متخصّصة تضم ناقداً أكاديمياً، وروائياً، وقارئاً متنوّراً غير متخصّص، مع تغيير الأعضاء بانتظام والحفاظ على سرّية أسمائهم، في محاولة لتحقيق توازن بين الذائقة الأدبية والمتطلبات السوقية. 

في مصر، تواصل دار الشروق ترسيخ حضورها بوصفها واحدة من أهم دور النشر العربية من حيث انتشار الكتب وتنوّع السلاسل. وتقدّم الدار في 2025 مجموعة من الإصدارات الجديدة، من بينها الجزء الرابع من «الأعمال الشعرية» لفاروق جويدة، ورواية «الحياة في الأبراج الرملية» لعمرو البطا، وسلسلة من الكتب المترجمة والمقرّبة لأعمال الفيلسوف والناقد الألماني فالتر بنيامين بقلم عاطف بطرس، إلى جانب روايات عربية مثل «لغز السيد س» لوليد علاء الدين و*«وكالة النجوم البيضاء»* لعمرو العادلي. 

كما تستغل الشروق وغيرها من الدور المصرية معرض القاهرة الدولي للكتاب بوصفه منصةً رئيسية لإطلاق طبعات جديدة، ولقاء القرّاء، وتوقيع الكتب، وخلق تواصل مباشر بين المؤلفين وجمهورهم. الحملات الخاصة بـ«إصدارات المعرض» أو العناوين المخصّصة لسنة 2025 أصبحت جزءاً ثابتاً من استراتيجيات التسويق، كما يظهر في كاتالوغ مكتبات الشروق المختلفة. 

إلى جانب الشروق، تعلن دور أخرى مثل دار المصري عن سلسلة إصدارات جديدة في معرض الكتاب، منها ترجمات لكلاسيكيات الأدب الإسباني، في محاولة لفتح نافذة عربية على هذا التراث وإغناء المكتبة العربية بنصوص إبداعية وفكرية من خارج الفضاءين الأنجلوساكسوني والفرنكفوني المعتادين. 

في الجزائر، يتحوّل الصالون الدولي للكتاب إلى موعد سنوي لعرض الجديد لدى دور النشر المحلية، مثل «القصبة»، «الشهاب»، «الأمير»، و«ليبراس دي شيليف»، إلى جانب المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية «إيناغ». هذه الدور أعلنت في أفق دورة 2025 عن برنامج إصدارات متنوّع يشمل الرواية والتاريخ وأدب الطفل والدراسات الأكاديمية، مع تركيز ملحوظ على الأعمال التي تجمع بين القيمة الأدبية والبعد التربوي. 

أما في الخليج، فيبرز معرض أبوظبي الدولي للكتاب كمنصّة استراتيجية لدور النشر الخليجية والعربية على السواء. الدورة الرابعة والثلاثون لسنة 2025 تعد بإبراز «ملامح جديدة» للمشهد الثقافي، عبر دعوة ناشرين من العالم، وإطلاق مبادرات دعم الترجمة، وتوقيع اتفاقيات حقوق نشر عابرة للحدود، ما يجعل أبوظبي نقطة التقاء بين دور نشر من المغرب العربي والمشرق والخليج وآسيا وأوروبا. 

في هذا المناخ أيضًا، تنشط دور مثل عصير الكتب في مصر بالتعاون مع دور من دول أخرى؛ وقد أعلنت مثلاً عن كتاب «لو كنتم تعلمون» للكاتبة إيناس الخطيب في إطار شراكة مع دار الفلق للنشر والتوزيع، وهو نموذج لاتجاه متزايد نحو التعاون بين دور النشر وتبادل الكاتالوغات والأسواق. 

الجديد في خريطة الإصدارات العربية لا يُقاس فقط بعدد الكتب المعروضة، بل كذلك بحضورها في قوائم الجوائز الكبرى. ففي 2025، تبرز أعمال صادرة عن دور نشر عربية معروفة في قوائم قصيرة لجوائز مرموقة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وغيرها، ما يساهم في إعادة توجيه أنظار القرّاء نحو عناوين بعينها ويرسّخ رأس المال الرمزي لهذه الدور. 

من جهة أخرى، تُظهر لوائح «أفضل الكتب العربية للقراءة في 2025» التي تنشرها منصّات متخصّصة، حضوراً لافتاً لروايات جديدة لكتاب عرب حصل بعضهم سابقاً على جوائز كبرى، مثل أعمال محمد حسن علوان ونائل الطوخي وغيرهما، ما يعني أن دور النشر تستثمر في أسماء راكمت رصيداً لدى القرّاء، لكنها تُغامر أيضاً بدعم أصوات جديدة في الرواية والشعر وأدب الشباب واليافعين. 

6 – تحوّلات في سياسات النشر والتوزيع

إلى جانب الأسماء والعناوين، تشهد سياسات النشر نفسها تحوّلات عميقة. فالكثير من دور النشر العربية تتّجه إلى:

  • تعزيز الشراكات مع معارض الكتاب الدولية والإقليمية، واعتماد هذه المعارض بوصفها منصّات إطلاق رسمية للإصدارات الجديدة.

  • الانفتاح على الترجمة من لغات متعدّدة، كما تفعل دار المصري مع الكلاسيكيات الإسبانية، أو دور في الخليج والمشرق مع الأدب الآسيوي واللاتيني. 

  • تطوير لجان قراءة احترافية تفرز المخطوطات وفق معايير جمالية وفكرية، كما هو الحال في دار الآداب، بما يحدّ من النشر الذاتي غير المحكوم بمعايير جودة واضحة. 

  • الاستثمار في الكتاب الإلكتروني والسمعي، مع بقاء الورقي في مركز المشهد، كما يظهر من الإقبال على معارض الكتاب في المغرب والعالم العربي. 

تُظهر خريطة الإصدارات الجديدة في المغرب والعالم العربي لسنة 2025 أن الكتاب العربي لا يعيش على الهامش، بل يعيد تشكيل موقعه داخل بيئة رقمية مضطربة. دور النشر المغربية تواصل تثبيت حضورها في المشهد العربي، من خلال توسيع كاتالوغاتها والمشاركة المكثّفة في معارض دولية، فيما تحافظ دور عريقة في بيروت والقاهرة والجزائر والخليج على دورها الريادي، مع انفتاح متزايد على الترجمة والتجريب في السلاسل الجديدة.

هذا التواشج بين القديم والجديد، بين الدور العريقة والدور الصاعدة، وبين الورقي والرقمي، هو ما يمنح المشهد العربي اليوم حيويته وثراءه. ومع كل معرض كتاب جديد، وكل قائمة إصدارات حديثة، تتكرّس حقيقة أن القارئ العربي ما يزال يبحث عن الكتاب، وأن دور النشر، على اختلاف أحجامها وخلفياتها، ماضية في مغامرة الدفاع عن القراءة بوصفها شكلاً من أشكال مقاومة النسيان والتفاهة في آن واحد.


0 التعليقات: