الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الجمعة، نوفمبر 28، 2025

نموذج تنموي طموح واستثمار عمومي متزايد: بقلم عبده حقي

 


في السنوات الأخيرة، عملت الحكومة المغربية على إعادة توجيه الاستثمار العمومي نحو تنمية شاملة ومستدامة. بحسب ما صرّح به رئيس الحكومة، ارتفع الاستثمار العمومي من نحو 230 مليار درهم في 2021 إلى 340 مليار درهم في 2025، في ما شكّل “دافعا” لإنعاش الاقتصاد، وتحفيز استثمارات خاصة عالية القيمة. 

كما أُدخلت “ميثاق استثماري” جديد لتسهيل جذب المستثمرين — مغاربة وأجانب — مع حوافز خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي شريحة تشكل حوالي 80% من التشغيل الرسمي. 

هذا المسار يعكس توجهًا حكوميًا نحو تقليص الفوارق المجالية، تنويع الأنشطة الاقتصادية، وتعزيز قدرة المغرب على مقاومة الصدمات الاقتصادية العالمية — خاصّة في ظل ارتفاع التحديات الخارجية. 

على مستوى البنية التحتية، شهد المغرب في السنوات الأخيرة توسعًا ملحوظًا في شبكات الطرق والربط الجهوي. الحكومة أعلنت أن شبكة الطرق السيارة تجاوزت 2400 كلم، مع تقدم ملموس في إنجاز مشروع القطار فائق السرعة الذي يربط بين عدة مدن رئيسية. 

هذا التطور يسهل الحركة والتنقل، ويساهم في ربط المناطق النائية والمناطق الهامشية بالمراكز الاقتصادية، ما يعزز الإنصاف المجالي ويفتح آفاقًا للتنمية الاقتصادية محليًا.

في خطوة تبدو تاريخية، أطلقت الحكومة برنامجًا متكاملاً لإصلاح مؤسسات الحماية الاجتماعية على الصعيد الوطني. هذا البرنامج يستهدف تحديث بنية المؤسسات الاجتماعية، تحسين تجهيزاتها، وتوسيع خدماتها لتشمل الفئات الهشة، كبار السن، الأشخاص ذوي الإعاقة، والأطفال المحتاجين. 

إضافة إلى ذلك، رفعت الحكومة الدعم الاجتماعي المباشر — خاصة في إطار ما يُعرف بالمبادرة الملكية للدعم الاجتماعي — دون رفع سعر قوارير الغاز (المسيلة للطبخ)، ما يعكس حرصًا على تخفيف العبء على الأسر ذات الدخل المحدود. 

هذه الإجراءات تؤسس لسياسة اجتماعية أكثر عدالة وشفافية، وتُظهر رغبة الحكومة في تعزيز تضامن اجتماعي حقيقي ومجابهة الفقر والهشاشة.

الحكومة تولي اهتمامًا خاصًا للأقاليم — لا سيما المناطق التي عانت تاريخيًا من التهميش. في جهة الشرق مثلاً، تم برمجة 769 مشروعًا تنمويًا لسنة 2025 بقيمة تقارب 244 مليون درهم في إطار برامج التقليص من الفوارق المجالية والتنمية البشرية. 

كما تستهدف مبادرات حكومية مماثلة جهات الجنوب، في إطار التنفيذ المرحلي لنموذج التنمية المعتمد للأقاليم الجنوبية منذ 2015. 

هذا التوجه يظهر رغبة جدية في تحقيق “تنمية متوازنة” تُراعي جميع جهات المملكة، وتدمج المناطق المهمشة في مشاريع تنموية فعلية تُحسّن ظروف العيش.

الحكومة عرفت كيف تجمع بين تنويع مصادر الدخل وتنمية القطاعات الواعدة. ففي السياحة، حققت المملكة مؤخرًا أرقامًا مهمة من حيث عدد السياح والمداخيل — وهو ما يعكس انتعاش هذا القطاع بعد سنوات صعبة. 

أما من جهة الصناعة، فقد أعلنت الحكومة أن القطاع يشهد “دينامية إيجابية” مع مضاعفة مؤشرات الإنتاج والتوظيف، ما يعزز القدرة الانتاجية المحلية ويقلل الاعتماد على الواردات. 

وفي الأفق — وكخطة استراتيجية طويلة الأمد — تتعزز توجهات الحكومة نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، في إطار جهود للتكيف مع تغيّر المناخ وتنويع مصادر الطاقة. 

إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية، الحكومة لا تنسى البُعد الاجتماعي: الإصلاحات في الحماية الاجتماعية، برامج الدعم المباشر، مشاريع تنموية محلية وشبابية، كلها تهدف إلى تحسين جودة الحياة وتقليص الفوارق.

وفي تصريحات رسمية، جرى التأكيد على أن هذه السياسات نابعة من “التوجيهات الملكية” التي تُعطي أولوية للعدالة الاجتماعية، والانتقال نحو “دولة اجتماعية” تضمن كرامة وعيشًا كريمًا لكل المغاربة. 

ورغم هذه المكاسب — المهمّة فعلاً — تظل هناك تحديات كبيرة: بعض المناطق لا تزال تعاني من نقص في الخدمات الأساسية — الصحة، البُنى التحتية، الإدماج الاقتصادي؛ إصلاحات متقدمة لكنها تحتاج متابعة لضمان تحقيق الأثر؛ وضمان أن تستفيد كل الفئات المجتمعية، دون تهميش.

كما أن التحولات — خاصة في الاقتصاد — تتطلب صمودًا أمام تقلبات اقتصادية عالمية، وتحديثًا مستمرًا للمؤسسات، سياسات واضحة في التشغيل، واستثمار فعّال في الموارد البشرية.

في المجمل: سياسة حكومية متعددة الأبعاد — بين التنمية والاستقرار الاجتماعي والإقليمي

ما يميز اليوم أداء الحكومة المغربية هو الشمولية في المقاربة: ليس فقط اقتصاد أو بنية تحتية أو دعم اجتماعي بمعزل عن غيره، وإنما رؤية متكاملة تجمع بين الاستثمار، العدالة الاجتماعية، التنمية الإقليمية، وتوسيع آفاق الفرص.

بذلك، تبدو الحكومة — وفق هذه المعطيات — ملتزمة بسياستها العامة نحو “مغرب التنمية الشاملة”: مغرب يمكن فيه لكل مواطن — سواء في المدن الكبرى أو الأقاليم النائية — أن يجد فرصة للعيش الكريم، وللمساهمة في نمو بلده.


0 التعليقات: