الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

السبت، نوفمبر 01، 2025

قراءة في ردود فعل الصحافة العالمية بخصوص تصويت مجلس الأمن لصالح الحكم الذاتي بالصحراء : إعداد عبده حقي


يُعدّ اعتماد مجلس الأمن الدولي للقرار رقم 2797 في 31 أكتوبر 2025 منعطفًا حاسمًا في مسار قضية الصحراء المغربية، إذ أكّد بوضوح أنّ الحُكم الذّاتي تحت السيادة المغربية يشكّل الحلّ الأكثر جدوى وواقعية وديمومة.

بهذا القرار التاريخي، يكرّس المجتمع الدولي ــ بأغلبيته الساحقة ــ قناعةً متزايدة بأنّ مقترح المغرب لسنة 2007 لم يعد مجرّد مبادرة سياسية، بل تحول إلى مرجعية أممية للحلّ العادل والنهائي للنزاع الذي افتُعل لعقود من طرف الجزائر وجبهة البوليساريو.

ويستعرض هذا المقال كيف تناولت الصحافة المغربية والعربية والدولية هذا الحدث، وما حملته من مؤشرات سياسية وإعلامية تؤكد تعزّز الموقف المغربي وتراجع الأطروحات الانفصالية.

أولًا: القرار الأممي بلغةٍ جديدة وميزان قوى متغيّر

اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 2797 بأغلبية 11 صوتًا مؤيدًا، وامتناع روسيا والصين وباكستان عن التصويت، مع غياب الجزائر المتعمّد عن المشاركة.

النصّ جاء بلغةٍ دقيقة تميل إلى الواقعية السياسية، إذ حذفت منه الإشارات السابقة إلى “الاستفتاء” الذي ظلّ شعارًا متجاوزًا، مؤكّدًا بالمقابل أن الحُكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر جدوى.

هذا التحوّل في اللغة يعكس تغيّرًا عميقًا في ميزان القوى داخل مجلس الأمن نفسه، ويؤشر إلى بداية نهاية مقاربة "المواقف الرمادية" تجاه قضية الصحراء المغربية.

الولايات المتحدة، بصفتها صاحبة القلم في الملف، وصفت التصويت بأنه "خطوة تاريخية نحو الحلّ"، فيما أجمعت صحف أوروبية وأميركية على أن القرار يشكّل "نقطة تحوّل في الاعتراف الدولي بجدية المغرب ومصداقية مشروعه".

ثانيًا: احتفاء مغربي واسع وتعبئة إعلامية وطنية

في المغرب، قوبل القرار بترحيبٍ واسعٍ من مختلف مكوّنات المشهد السياسي والإعلامي.

صحيفة Le360 وصفته بأنه "تكريس نهائي لسيادة المغرب على صحرائه"، مؤكدة أنّ الأمم المتحدة تبنّت لغة الرباط الواقعية بدل الشعارات المتجاوزة.

كما أبرزت مظاهر الفرح في العيون والداخلة والسمارة، حيث خرج السكان للتعبير عن انتمائهم الوطني واستبشارهم بقرارٍ طال انتظاره.

أما موقع هسبريس فاعتبر أنّ هذا القرار يُعيد ترسيخ "الإجماع الوطني حول الصحراء المغربية"، مشيرًا إلى أنّ الرباط تستعد لتقديم نسخة محدَّثة من مبادرة الحكم الذاتي بصيغةٍ تنفيذيةٍ واضحة تعزّز التنمية والتمثيلية المحلية في الأقاليم الجنوبية.

وفي المقابل، أبرزت المنصات ثنائية اللغة مثل "يابلادي" و**"تلكيل"** تفاعل الدبلوماسية المغربية الذكي مع العواصم الكبرى، وقدرتها على تحويل الإجماع القاري والدولي إلى دعمٍ أمميٍّ موثّق.

ثالثًا: الموقف العربي والإقليمي – دعمٌ متزايد للرباط

في الساحة العربية، رحّبت كبريات الصحف والقنوات مثل سكاي نيوز عربية والعربية بالقرار واعتبرته تتويجًا للرؤية المغربية الواقعية التي أثبتت نجاعتها على الأرض عبر مشاريع التنمية الكبرى في العيون والداخلة.

في المقابل، بدت الجزائر معزولة سياسيًا وإعلاميًا، إذ تجاهلت التصويت وامتنعت عن المشاركة، في خطوة فسّرتها صحف عربية بأنها "إقرارٌ ضمنيّ بالهزيمة الدبلوماسية".

أما جبهة البوليساريو، فقد أصدرت بياناتٍ غاضبة وصفت القرار بأنه "انحياز"، وهو ما يعكس ضياع البوصلة السياسية لدى حركةٍ فقدت دعم معظم العواصم المؤثرة.

رابعًا: أوروبا بين الحذر والدعم العملي

في أوروبا، عبّرت صحيفة لوموند الفرنسية عن إدراكها للتحوّل في الخطاب الأممي لصالح المغرب، مشيرةً إلى أنّ الصيغة النهائية "كرّست المرجعية المغربية دون المساس بالتوازن الدولي".

أما يورونيوز ورويترز فقد ربطتا القرار بموجة الاعترافات الأوروبية الأخيرة، بدءًا من إسبانيا مرورًا بألمانيا وانتهاءً ببلجيكا، التي وصفت الحكم الذاتي بأنه "المسار الأنسب والأكثر واقعية".

ورغم تريّث مؤسسات الاتحاد الأوروبي في تبنّي موقفٍ موحّد، فإنّ الواقع الدبلوماسي يشهد انزياحًا متسارعًا لصالح الرؤية المغربية، خصوصًا بعد النجاحات التنموية والاقتصادية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية.

خامسًا: القراءة الأميركية – تثبيت للتحالف الاستراتيجي

 

الصحافة الأميركية وصفت القرار رقم 2797 بأنه "نقطة تثبيتٍ للتحالف المغربي-الأميركي"، مؤكّدةً أنّ واشنطن ترى في مقترح الحكم الذاتي نموذجًا للحكم المحلي المستقر في شمال أفريقيا.

وقد أشادت افتتاحياتُ الصحف الأميركية بالدور القيادي للرباط في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني والطاقي، معتبرةً أن دعم سيادة المغرب على صحرائه هو رهانٌ على الاستقرار الإقليمي.

من جانبها، أوضحت تقارير الأمم المتحدة أنّ المجلس يدعو إلى "حلّ سياسي واقعي ودائم" في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية، وهو ما يقطع الطريق أمام أيّ تلاعبٍ لغوي أو تأويلٍ انفصالي.

سادسًا: سقوط الخطاب الانفصالي

لم يجد الانفصاليون في جبهة البوليساريو ولا داعمتهم الجزائر سوى التنديد والانسحاب. فقرار الجزائر بعدم المشاركة في التصويت عبّر عن ارتباك دبلوماسيّ عميق، في حين بدت بيانات البوليساريو فاقدة للمصداقية أمام الإجماع الدولي.

الصحافة الدولية التقطت هذا التحوّل واعتبرته "انهيارًا تدريجيًا لخطاب الانفصال" بعد أن صار الحكم الذاتي المغربي حقيقةً واقعية تفرض نفسها على الأرض وفي القوانين الأممية.

لقد شكّل القرار 2797 انتصارًا دبلوماسيًا غير مسبوق للمغرب، ورسّخ مكانة مبادرة الحكم الذاتي كخيارٍ وحيدٍ واقعيٍّ وذي مصداقية.

فالعالم اليوم لا ينظر إلى قضية الصحراء المغربية كخلافٍ إقليميٍّ جامد، بل كملفٍّ في طور الحسم لصالح الدولة المغربية ووحدتها الترابية، بفضل نهجٍ متوازنٍ يجمع بين التنمية والاستقرار والإقناع الدولي.

لقد نجح المغرب، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، في تحويل الإجماع الوطني إلى إجماع دولي، وأعاد رسم ملامح الملف في مجلس الأمن من منطق النزاع إلى منطق الحلّ.

ومن هنا يمكن القول إنّ القرار 2797 لم يكن مجرد تمديد لمهمة بعثة "مينورسو"، بل إعلانًا رسميًا عن دخول القضية المغربية مرحلةَ الاعتراف الأممي الواقعي، حيث تتوحّد الإرادة الدولية حول مشروعٍ مغربيٍّ وطنيٍّ أصيل، يفتح أبواب التنمية والسلام في الصحراء المغربية إلى الأبد.




0 التعليقات: