في تحولٍ غير مسبوق في مسار قضية الصحراء المغربية، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2797، الذي وصف مبادرة الحكم الذاتي المغربية تحت السيادة الوطنية بأنها "الحل الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق". القرار حظي بتأييد أحد عشر عضوًا من أصل خمسة عشر، من دون أي معارضةٍ تُذكر، بينما امتنعت روسيا وباكستان عن التصويت، وامتنعت الجزائر عن المشاركة نهائيًا، في موقفٍ فُسِّر على أنه اعتراف ضمني بالعجز والعزلة.
بهذا التصويت، يكون
المغرب قد حقق انتصارًا دبلوماسيًا واضحًا، بعدما أكّد المجتمع الدولي أن الحلّ الواقعي
للنزاع لا يمكن أن يكون إلا في إطار السيادة المغربية، بينما تلقت الجزائر صفعةً موجعة
في أهم ملفٍّ جعلته منذ نصف قرن ركيزةً لدبلوماسيتها.
الجزائر، التي جعلت
من قضية الصحراء ما يُشبه "العقيدة الوطنية"، وجدت نفسها في مواجهة إجماعٍ
دوليٍّ جديد. فبعد حملاتٍ طويلة من الضغط والمناورات في الكواليس، لم تستطع إقناع دولةٍ
واحدةٍ بالتصويت ضد القرار. لم يستخدم أيّ من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن حق النقض
(الفيتو)، ولم يُبدِ أي طرفٍ اعتراضًا على الصيغة الأمريكية التي أكدت أن الحكم الذاتي
المغربي يشكل قاعدة المفاوضات المستقبلية.
هذا التحول يعكس إدراك
القوى الكبرى لاستحالة قيام كيانٍ جديد في منطقةٍ مضطربةٍ كمنطقة الساحل، في وقتٍ يتزايد
فيه القلق من تمدد الجماعات الانفصالية والإرهابية.
على مدى عقود، حاول
النظام الجزائري تسويق النزاع حول الصحراء بوصفه "قضية تحرر وحق تقرير المصير"،
لكنه اليوم يواجه انهيارًا في السردية التي بنى عليها شرعيته الخارجية. لقد تحولت القضية
من "رمز للمبدئية" إلى عبءٍ ثقيلٍ على السياسة الجزائرية، التي باتت تبدو
معزولة عن الواقع الدولي الجديد.
فالجزائر، التي قدمت
نفسها كمدافعٍ عن "القضايا العادلة"، تجاهلت التحولات الكبرى في مواقف القوى
العظمى، وغرقت في لغةٍ خشبيةٍ لم تعد تقنع أحدًا. أما المغرب، فقد استثمر في الدبلوماسية
الهادئة والتحالفات الذكية، مقدّمًا مشروعًا عقلانيًا يوازن بين السيادة الوطنية والحقوق
المحلية للسكان الصحراويين.
منذ طرحه لمقترح الحكم
الذاتي سنة 2007، حرص المغرب على تقديم رؤيةٍ واقعيةٍ قائمة على التنمية والاستقرار.
وقد أثمرت هذه المقاربة اليوم اعترافًا دوليًا متناميًا بأنّ الرباط تمثل طرفًا مسؤولًا
يسعى للحلول السلمية، في مقابل الخطاب الجزائري الذي يزداد تشنجًا وعدوانية.
فالمملكة المغربية
لم تراهن على الشعارات، بل على الفعل الميداني: تنمية الأقاليم الجنوبية، تحسين البنية
التحتية، وتعزيز المشاركة المحلية للسكان، وهي خطوات جعلت كثيرًا من الصحراويين يختارون
الاستقرار تحت السيادة المغربية بدل الارتهان لأوهام الانفصال.
في المقابل، لم تجد
الصحافة الجزائرية الرسمية سوى تكرار الأسطوانة القديمة، متحدثةً عن "انتصارٍ
رمزيٍّ" أو "توازنٍ في القرار الأممي"، في حين أن النصّ واضحٌ لا لبس
فيه. فهو يقرّ صراحة بأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية هي "الأكثر واقعية"،
ويصفها بأنها "الأساس الجاد للمفاوضات المستقبلية".
هذا التضليل الإعلامي
الممنهج يعكس مأزق النظام الجزائري الذي بات يستخدم الدعاية السياسية لتسكين الرأي
العام وتغطية الفشل الدبلوماسي الذريع.
لقد بات واضحًا أن
الرئيس عبد المجيد تبون يواجه واحدة من أسوأ لحظات حكمه، إذ حمّله المراقبون مسؤولية
الانزلاق الدبلوماسي الذي جرّ الجزائر إلى عزلةٍ خانقة. فنهجه العدواني تجاه المغرب،
وإغلاقه باب الحوار منذ 2021، جعلا من الجزائر طرفًا غير موثوقٍ به في نظر المجتمع
الدولي.
اليوم، تطالب أصواتٌ
داخل الجزائر بمراجعةٍ عميقةٍ للسياسة الخارجية، وتدعو إلى إنهاء "عبادة الملف
الصحراوي" الذي استُخدم لعقودٍ كأداةٍ لصرف الأنظار عن أزمات الداخل.
ما حدث في مجلس الأمن
ليس مجرد قرارٍ تقني، بل تحوّلٌ في الاتجاه العام للشرعية الدولية. فالعالم لم يعد
مستعدًّا لخلق دولٍ جديدة على أنقاض أخرى، ولا لتكرار مأساة جنوب السودان. في المقابل،
يُنظر إلى المغرب باعتباره نموذجًا للاستقرار في إفريقيا، وشريكًا موثوقًا في مكافحة
الإرهاب والتعاون الاقتصادي.
لقد نجحت الدبلوماسية
المغربية في تحويل الصحراء من ملف نزاعٍ إلى ورقة قوةٍ إقليمية، بينما تراجعت الجزائر
إلى موقع المتفرج الغاضب الذي لا يمتلك سوى الخطاب الثوري القديم.
خاتمة: نهاية حقبة
وبداية أخرى
يختتم هذا القرار مرحلةً طويلةً من المراوحة في مكانها، ويفتح بابًا جديدًا نحو حلٍّ سياسيٍّ واقعيٍّ للنزاع حول الصحراء المغربية. انتصر المغرب بالعقل والدبلوماسية، بينما خسرت الجزائر بالمكابرة والانغلاق.
لقد تغيّر العالم،
لكنّ النظام الجزائري لا يزال يعيش في زمن الشعارات. أما المغرب، فقد كتب فصلاً جديدًا
من فصول دبلوماسيته الهادئة، مثبتًا أن الواقعية السياسية هي الطريق الأقصر نحو الاعتراف
والانتصار.







0 التعليقات:
إرسال تعليق