أوّلًا: المغرب – نَبْضُ الرِّباط
في الرباط، يلتقط المسرح الوطني محمد الخامس مساء اليوم خيط الموسيقى من عمق الذاكرة المغاربية مع حفل لفرقة «غناوة ديفيزيون»، حيث تمتزج تيمة الغناوة الروحية بإيقاعات الروك والريغي في خليط يجعل القاعة تبدو كمنصة حرة بين الصحراء
والمدينة الحديثة. الحفل موجّه لجمهور واسع من الشباب ومحترفي الموسيقى على السواء، ويُتوقَّع أن يتحوّل إلى ليلة احتفالية صاخبة بالرقص والألوان الصوتية المتعددة.هذا الموعد لا يقدّم مجرد حفل، بل يواصل خطًّا واضحًا في المشهد الثقافي المغربي يراهن على تدويل الصوت المحلي دون فقدان جذوره. فالغناوة هنا ليست فلكلورًا جامدًا، بل مختبرًا حيًا لتجريب التقاطعات بين التراث والأصوات العالمية، وهو ما يجعل الحفل محطة لافتة في أجندة اليوم لمن يريد أن يسمع المغرب وهو يحدّث العالم بلغته الخاصة.
ثانيًا: العالم العربي – من الإسكندرية إلى دبي والدوحة
في الإسكندرية، تستعيد أوبرا سيد درويش هذا المساء ذكريات فرقة البيتلز عبر حفل خاص للأوركسترا الوترية التابعة لدار الأوبرا، يقدّم توزيعات أوركسترالية لأشهر أغاني الفرقة في توليفة تجمع بين النوستالجيا وروح التجديد. الحفل يعيد ربط المدينة، التي عاشت قرنًا كاملاً من الانفتاح المتوسطي، بتاريخ موسيقي عالمي شكّل ذائقة أجيال كاملة، ويحوّل قاعة الأوبرا إلى مساحة تلتقي فيها الأدوات الكلاسيكية مع حسّ البوب البريطاني.
في دبي، يطوي اليوم آخر صفحة من معرض «The 100 – معرض اليوم الوطني الإماراتي» في فيلا «فالكون»، حيث شارك مئة فنان من الإمارات وخارجها في احتفال بصري يربط بين الهوية الوطنية وطاقات الفن المعاصر. الأعمال المعروضة تتنوّع بين لوحات وتجهيزات وفيديو آرت، وتلتقط وجوهًا مختلفة للإمارات: من الصحراء والبحر إلى المدينة العمودية المضيئة ليلًا. اليوم الأخير من المعرض يتحوّل عادة إلى مساحة لقاء بين الفنانين والجمهور، ونقاشات حول معنى الانتماء في زمن المدن العالمية.
أمّا الدوحة فتواصل أسبوعًا حافلًا بالفعاليات، من بينها معرض عن تاريخ آلة العود ضمن برنامج ثقافي يمتد بين 7 و13 دجنبر. يمنح المعرض للزائر فرصة رؤية نماذج تاريخية وحديثة من الآلة، مع شروح سمعية وبصرية عن تطورها في الموسيقى العربية والتركية والفارسية، إضافة إلى عروض حيّة قصيرة تعيد الاعتبار لصوت العود كذاكرة مشتركة بين أقطار عديدة.
ثالثًا: إفريقيا جنوب الصحراء – الكرنفال والمدينة الرقمية
في مدينة كالابار النيجيرية، يتواصل اليوم برنامج «كرنفال كالابار» الذي يوصف منذ سنوات بأنه أكبر حفل شارع في إفريقيا. عروض الرقص الاستعراضي، والفرق الموسيقية التي تجوب الشوارع بأزياء ملونة وزخارف مستلهمة من الأساطير المحلية، تجعل المدينة أشبه بمسرح مفتوح يمتد لساعات طويلة. الكرنفال ليس ترفيهًا فحسب، بل مناسبة لعرض الحرف، والطبخ الشعبي، والطقوس الجماعية التي تلتقي فيها الأجيال في احتفال واحد بالحياة.
في لاغوس، ينعقد اليوم مهرجان العمل عن بُعد في مركز «لاندمارك» على الساحل، وهو حدث يجمع العاملين في مجالات التكنولوجيا والإبداع الرقمي وروّاد الأعمال في فضاء واحد. إلى جانب الجلسات النقاشية والورشات، تتحوّل أروقة المهرجان في المساء إلى فضاء تفاعلي يجمع العروض الموسيقية القصيرة ومساحات للتعارف المهني، في تزاوج لافت بين ثقافة العمل الجديدة والمشهد الحضري النابض في أكبر مدينة إفريقية ناطقة بالإنجليزية.
رابعًا: ألمانيا – الكتابة كفنّ بصري
في ميونيخ، يفتح اليوم في «بيناكوتيك دير موديرنه» واحد من أهم المعارض الأوروبية المخصَّصة لفنون الكتابة النصية بعنوان «أحلى من العسل – بانوراما لفن الكتابة». يضمّ المعرض أعمالًا لحوالي ستين فنانًا يستخدمون الحروف والكلمات كمواد تشكيلية، على جدران ومساحات ممتدة تتخطى 1200 متر مربع. الفكرة المحورية للمعرض هي استكشاف العلاقة المتبادلة بين النص والصورة، وكيف يمكن للجملة المكتوبة أن تتحوّل إلى جسد بصري كثيف، أو إلى صدمة لونية تحاور المتلقي قبل أن يقرأ.
المعرض لا يكتفي بعرض الأعمال، بل يقترح مسارًا تفاعليًا يدعو الزائر إلى إعادة التفكير في الكتابة ذاتها: أهي وسيلة للإخبار، أم مادة للتجريب الجمالي، أم أداة سياسية تستعيد الخطابات وتعيد تركيبها؟ لذلك يبدو اليوم الافتتاحي فرصة مثالية لعشّاق الفن المعاصر ولمحبّي الحروف في آن واحد.
خامسًا: إسبانيا – الأوبرا والروحانية السيمفونية
في مدريد، يحتل عمل بيزيه الخالد «كارمن» خشبة المسرح في «تياترو ريال» ضمن عرض مسائي جديد يجمع أصواتًا أوبرالية بارزة وأوركسترا كاملة في قراءة معاصرة لأحدى أشهر البطلات في تاريخ الأوبرا. الحضور الإسباني في العمل هذه المرّة لا يقتصر على المكان، بل يمتدّ إلى تفاصيل الإخراج والسينوغرافيا التي تستثمر فضاء المدينة الحديثة لقراءة قصة الغجرية الحرّة بعين اليوم، بكل ما تحمله من توتر بين الحب والحرية والقدر.
في مالقة، تُعزَف اليوم أعمال آرفو بيرت، وعلى رأسها «Cantus in Memory of Benjamin Britten»، في حفل للأوركسترا الفيلهارمونية بالمدينة. هذه القطعة القصيرة ذات البنية الدائرية تحمل طابعًا تأمليًا شبه صوفي، وتحوّل القاعة إلى فضاء للتفكير في الفقد والذاكرة عبر حوار بطيء بين الأوتار والأجراس. الجمع بين حرارة الأندلس والمناخ الروحاني لموسيقى بيرت يمنح الأمسية نكهة خاصة لعشّاق الموسيقى المعاصرة.
سادسًا: البرتغال – ليالي لشبونة بين البيانو والفلمنكو
في لشبونة، يحتضن المدرّج الكبير لمؤسسة «كالوست غولبنكيان» حفلًا لعازفة البيانو الفرنسية ليز دو لا سال، التي تعود إلى المدينة ببرنامج يمزج بين كلاسيكيات القرن التاسع عشر وقطع أكثر حداثة. المساء هنا مخصّص لأولئك الذين يفضّلون الاستماع في قاعة ذات صوتيات دقيقة، حيث يمكن تتبّع كل تفصيل في ديناميكية العزف، من همسات البيانو إلى انفجاراته الدرامية.
بعد الحفل الكلاسيكي، تنتقل الحياة الليلية إلى حيّ آخر من العاصمة، حيث تقدّم فرقة «لا فاميليا خيتانا» عرضًا حيًا في فضاء «ليزا»، يمزج بين الرومبا والفلمنكو وتأثيرات معاصرة. الجو هنا أكثر حميمية، والجمهور أقرب إلى المنصة، في حفل يشبه جلسة موسيقية عائلية تتشارك فيها الطاولات الغناء والضحك وإيقاع التصفيق. هكذا يقسّم اليوم نفسه في لشبونة بين تأمّل البيانو وتوهّج الرقص الإسباني البرتغالي الهوى.
سابعًا: إنجلترا – من النيو–انطباعيين إلى أسواق الحرف
في لندن، يواصل «المعرض الوطني» برنامجه حول النيو–انطباعيين عبر فعالية رقمية–حيّة ضمن مشروع «الوئام الجذري»، تُقدَّم اليوم لجمهور واسع. الحدث يتيح الاطلاع على أعمال سيورا ورفاقه في قراءة معاصرة تشرح كيف تحوّل التعامل العلمي مع الضوء واللون إلى ثورة جمالية في نهايات القرن التاسع عشر، مع ربط ذلك بطرق عرض الفن في الفضاء الرقمي اليوم.
وفي أحد فضاءات الفن المعاصر بالمدينة تُفتتح اليوم معرض الفنان كالوم إيتون «What a Shit Show»، الذي يعرض سلسلة لوحات تلتقط لحظات «العطب اليومي» في الحياة الحضرية: خبزة محروقة، زهرة ذابلة، مقياس إطفاء حريق فارغ… الأشياء هنا تتحوّل من تفاصيل تافهة إلى وثائق باردة عن هشاشة الحياة الحديثة، في أسلوب يجمع بين السخرية والقلق.
خارج العاصمة، يحتضن مركز التراث في «بيوسي» بمقاطعة ويلتشير احتفالًا يمتد من الصباح إلى المساء بالأسواق الحرفية والموسيقى الحيّة وطقوس الكريسماس الريفية. اليوم هناك يبدو كاستراحة دافئة من ضجيج المدن الكبرى، حيث يلتقي سكان البلدة وزوّارها حول أكشاك الصنّاع المحليين وروائح الحلويات الشتوية والأغاني التقليدية.
ثامنًا: إيطاليا – المسرح والسمفونيات في روما
في روما، يبدأ اليوم العرض الأول لمسرحية–ميوزيكال «Aggiungi un posto a tavola» على خشبة «تياترو برانكاتشو»، في عودة جديدة لعمل يعتبر من كلاسيكيات المسرح الغنائي الإيطالي. العرض يمزج بين الكوميديا الخفيفة والأغنيات التي ترسّخت في الذاكرة الشعبية، ويحول المسرح إلى مائدة رمزية مفتوحة للجميع، حيث تتقاطع القصص الصغيرة عن الحب والغيرة والحلم بحياة أفضل.
في الجهة الأخرى من المدينة، يستضيف «أوديتوريوم باركو ديلا موسيكا» حفلًا سيمفونيًا لأوركسترا عريقة تؤدي أعمالًا لبيتهوفن وبروكنر بإدارة توغان سوخييف. هذا اللقاء بين اثنين من أعمدة السمفونية الألمانية في قاعة واحدة يجعل الأمسية أقرب إلى رحلة داخل تاريخ الأوركسترا الأوروبية، من البناء الكلاسيكي لدى بيتهوفن إلى الآفاق الواسعة والمتصاعدة لدى بروكنر.
تاسعًا: بلجيكا – إسبانيا في بروكسيل وأنغام من الشرق
في بروكسيل، يتواصل مهرجان «أوروباليا إسبانيا» الذي يركّز هذا العام على عالم فرانسيسكو غويا، جامعًا بين معارض للفنون البصرية وبرامج للرقص والموسيقى والسينما من مختلف مناطق إسبانيا. المهرجان لا يكتفي بعرض أعمال من مدريد وبرشلونة، بل يفتح الباب أمام فنانين من الأقاليم الأقل حضورًا في المشهد الأوروبي، في محاولة لرسم صورة أكثر تنوّعًا للثقافة الإسبانية.
وفي المساء، يقدّم مشروع «كايرو ستِبس» حفلًا في متحف الآلات الموسيقية بالعاصمة البلجيكية، يمزج فيه بين الجاز والألحان الصوفية العربية. هذا اللقاء بين موسيقيين أوروبيين وعرب داخل متحف يحتفي بتاريخ الآلات من مختلف القارات يخلق حوارًا حيًا بين التراث والابتكار، ويضيف طبقة مميزة إلى الأجندة الموسيقية لليوم.
عاشرًا: روسيا – الباليه في سانت بطرسبورغ
في سانت بطرسبورغ، يعرض مسرح «ميخايلوفسكي» هذا المساء باليه «لا بايادير» في إنتاج يستعيد تقاليد المدرسة الروسية الكلاسيكية بكل دقتها وحِدّتها. العمل، الذي يدور في عالم شرقي متخيَّل، يوفّر للراقصين فرصة استعراض تقنيات عالية في الرقص الفردي والجماعي، بينما تتكفّل الموسيقى والأزياء بإعادة بناء فضاء أسطوري كامل على الخشبة. عشّاق الباليه يجدون في هذا العرض موعدًا لا يُفوَّت ضمن أجندة اليوم العالمية.
حادي عشر: فرنسا – باريس بين السمفونية والليل الباروكي
في باريس، تحتضن قاعة «فيلهارموني» حفلًا للأوركسترا الباريسية بقيادة كلاوس ماكيلا، مع مشاركة عازفة الكمان الشهيرة يانين يانسن في برنامج يجمع بين ريبيرتوار رومانسي وأعمال من القرن العشرين. الأمسية هنا ليست مجرد استعراض تقني، بل وعد بلقاء بين أسلوب قيادة شاب لامع ورؤية موسيقية دقيقة لعزف الكمان المنفرد، في واحدة من أهم القاعات السيمفونية في أوروبا اليوم.
قريبًا من الحي اللاتيني، يقدّم أوركسترا هيليوس في كنيسة سان جيرمان دي بري برنامجًا كاملًا لـ«الفصول الأربعة» لفيوالدي مع «Eine kleine Nachtmusik» لموتسارت. بين صوت الكمان المنفرد وصدى القباب الحجرية القديمة، تتحوّل الأمسية إلى رحلة زمنية تجمع بين الباروك وروح باريس الليلية، حيث يخرج الجمهور إلى المقاهي المجاورة وهو ما يزال يحمل في أذنيه صدى الكنترباص والكمان.
ثاني عشر: هولندا – الجاز والبوب البديل في أمستردام
في أمستردام، يستمرّ هذا الأسبوع برنامج حفلات الجاز في قاعة «كونسيرت خباو»، حيث تحيي الساكسوفونية والمغنية الأمريكية كاميل ثورمان أمسية ضمن سلسلة حفلات متتالية في المدينة. حضورها يجمع بين تقاليد الجاز الكلاسيكي والطاقة المعاصرة، مع مساحة واسعة للارتجال تجعل كل ليلة مختلفة عن الأخرى، وكأن الجمهور يشارك في كتابة الحفل لحظة بلحظة.
على ضفّة أخرى من المدينة، يحتضن «ميلكفيغ» حفلًا لفرقة Flyte البريطانية، يقدّم خليطًا من البوب البديل والأغنية التي تعتمد على النصوص القصصية. جمهور الحفل هنا أكثر شبابًا وصخبًا، لكن المدينة توفّر لكلا المزاجين مكانًا في أجندتها: من مقعد مريح في قاعة تاريخية إلى ساحة وقوف ضيّقة أمام منصة منخفضة حيث يمكن أن تلمس مكبّر الصوت بيدك.
بهذه الفعاليات التي تمتدّ من الرباط مرورًا بالعواصم العربية والإفريقية والأوروبية المذكورة، يبدو هذا اليوم وكأنه خريطة حيّة للثقافة في ثلاث قارات: موسيقى تتكلّم لغات مختلفة، معارض تكتب النصوص بالألوان، ومهرجانات شارع تجعل من المدينة مسرحًا مفتوحًا للمشترك الإنساني.








0 التعليقات:
إرسال تعليق