مسرحيون يعرضون أعمالهم امام جمهور قليل، شعراء لا يبيعون من دواوينهم سوى
نسخا يسيرة، تشكيليون لا يقبل على لوحاتهم سوى فئة قليلة من المهتمين، موسيقيون
وروائيون
وزجالون وقصاصون يعيشون سؤال الحضور والإنتشار امام ما يشبه عزوف المتلقي. تلك بعض
النمادج من يوميات النشر و الإنتشار و الإنحصار التي يعيشها المبدع المغربي في مجالات
الإبداع الثقافي و الفني.نفتح فيها هذا الملف الرمضاني و نسأل الفاعلين في المشهد الثقافي
الفني عن السبب وإمكانات الخروج من وضعية لا تخدم الإبداع في شيء فهل هو مشكل المتلقي
أم مشكل جودة الإبداع..
1* يعيش الإبداع المغربي
بكل تجلياته نوعا من الإنحصار على مستوى النشر و الإنتشار هل من سبب معين وراء هذا
الوضع؟
شكرا على الدعوة الكريمة للمشاركة في هذا الملف الهام جدا حول مقياس درجة
التواصل والتفاعل الجماهيري مع الإنتاج الأدبي والفني بالمغرب وجوابا على سؤالكم الأول
فظاهرة الإنحصارتعود بالأساس لسببين : فأما السبب الأول فيتعلق بذهنية مجتمعية وثقافة
سائدة ترسخت منذ الصراع السياسي في الستينات والسبعينات من القرن الماضي إستطاعت أن
تستبخس كل ماهو منتوج فكري وأدبي متنور يروم التوعية والإنفكاك من ربقة التقاليد وسلطة
الرأي الواحد وهكذا فقد إستطاعت أن تنتج سلوكا مجتمعيا عدائيا لقشدة النخبة الفكرية
التي غالبا مايشارإليها بأصبع الشك في إنتمائها الحقيقي لمكونات الهوية إذا لم تكن
التهمة أخطر من ذلك ... وأما السبب الثاني فيعود إلى أعطاب التنشئة العائلية والتعليمية
... فهل روابط البنية الأسرية عندنا تقوم بالإضافة عن الحب والعاطفة والوفاء تقوم أيضا
على التشبع بثقافة جمالية وأدبية وفنية راقية تفتح شهية النقاش بين الأب وابنائه مثلما
تفتح شهيتهم حول قصعة الكسكس وتشجع الأبناء على الإهتمام بمنتوجنا التراثي والأدبي
والفني أكثر مما يهتم بظاهرة الراب المستورد وهل في مقرراتنا التعليمية دروس عن الظاهرة
الغيوانية وفن كناوة ورقصة الكدرة وجذبة عيساوة ؟ إننا نعيش زمن الإغتراب داخل الوطن
مع كامل الأسف.
2* كثيرون يؤكدون أن المشكل
يتعلق بجودة المنتوج الإبداعي المقدم هل تتفق مع هذا الرأي؟
المشكلة لاتتعلق بجودة المنتوج بل تتعلق بعامل الإعتراف أولا ومحاربة أعداء
النجاح ثانيا ، هؤلاء الفطريات الذين فشلوا في حياتهم وقدموا إلى الفن والأدب من الثقوب
مثل الجرذان بدل الأبواب مثل بني آدم ... العديد من الفنانين والكتاب المغاربة المهاجرين
الذي أغراهم شعار العهد الجديد وعادوا إلى الوطن مبتهجين بجماله وحنينه وشمسه وسواحله
وتنوعه الثقافي غير أنهم إصطدموا فجأة بحقيقة أن لا شيء تغير وأن أعداء النجاح مندسين
بين الفكرة والفكرة وبين الخطوة والخطوة ... ومن سخرية المشهد وغرائبيته أن أعداء النجاح
هؤلاء يشتكون هم أيضا من أعداء النجاح ... كان بالأمس العاطلون والفاشلون في الدراسة
هم من يتوسدون حقائبهم للهجرة بلا رجعة لكن ما يحزنني اليوم أن كل مواطن من أسفل الطبقات
إلى أعلاها ، المقاول والعامل والكاتب والمغني جميعهم باتوا يحلمون بجوازسفركندي ...
3* بالنسبة للكتب ألا يمكننا
القول أن المشكل يتجلى في صعوبة وصول المبدع إلى القارئ من خلال وعورة المسالك المؤدية
إلى النشر؟
صحيح لكن الأمر يتعلق بداية بالقدرة الشرائية الهزيلة للطبقة العريضة من الجماهيرثم
في مستوى ثان ببرامج توقيعات الكتب وانفتاح المؤسسات التعليمية والجامعية والأكاديميات
والمعاهد العليا لاقتناء عشرات النسخ من الكتب الحديثة النشرفلوإفترضنا أن كل ثانوية
وكل أكاديمية وكل جامعة إقتنت 50 نسخة من ديوان شعرأو مجموعة قصصية أو رواية أودراسة
نقدية فإننا من دون شك سوف نتغلب على ظاهرة تراكم الإصدارات وتكدس بعضها فوق بعض في
بيوت الكتاب الضيقة مما يشعرهم بالغبن وبلاجدوى الكتابة بشكل عام .
4* بالنسبة للمسرح و التشكيل
هل نستطيع الجزم بمسألة المقروئية و المشاهدة و تدني نسبها؟
ياسيدي علينا أن نصحح تلك الصورة النوستالجية والنمطية عن مسرح الجماهير..
متى كان للمسرح المغربي جمهورمنتظم يوفرقسطا من راتبه الشهري لمشاهدة مسرحية أو فيلما
كل شهر؟ هاأنت ترى أن الإعلام المرئي يشجع ويدعم بعض برامج السخافة ومسرحيات التهريج
وكيف تحقق هذه البرامج نسبة عالية من المشاهدة فيما تم إقصاء وتهميش المسرح الجاد والهادف
الذي يستنبط مقوماته من التراث المغربي والعربي والإنساني ... ألم يصنع المسرحيون المغاربة
الرواد مجد أعمالهم من الإقتباسات ؟ لماذا لا تنصب خشبات مسرحية في ساحات جامع لفنا
وبوجلود ولهديم والفدان و..و..إلخ
5* ماذا عن المؤسسات الثقافية
الوطنية أي دور لها في فك الحصار عن المنتوج الإبداعي؟
ليس هناك حصاربل هناك عزوف واهتمام بالأولويات الشخصية وأمزجة تربت على تبخيس
كل ماهو إنتاج مغربي وأعتقد أن الدولة لو فكرت في الشأن الثقافي مثلما تفكر في تقدم
الشأن الكروي والرياضي الأولمبي عموما فإذ ذاك سوف يتصالح المواطن مع المنتوج الفني
والفكري والأدبي .. علينا أن نستقبل أدباءنا أيضا بباقات الورود مثلما نستقبل رياضيينا
المتفوقين ومغنينا الشباب الناجحين في أراب آيدل وإكس فاكتروغيرهما .
0 التعليقات:
إرسال تعليق