إني أغرق .. ! أغرق .. ! أغرق .. ! فهل من حكومة لإنقاذي فورا ؟ بهذه العبارات الأليمة من دون شك كان يصرخ ما يناهز ثلاثين فردا من العمال والعاملات في معمل بمدينة طنجة ذلك القطب الصناعي الناشئ وجوهرة حوض البحر الأبيض المتوسط .
طبعا إننا كعادتنا دائما ما نتفاعل مع أخطائنا بعقلية (التران مشى عليا) وليس بعقلية النقد الذاتي الموضوعي الذي يعلمنا كيف نعترف بأننا نحن من نصل دائما إلى محطة القطار متأخرين ... وقس على ذلك من مواقف جمة عن تفاعلنا مع الأزمات الاجتماعية والسياسية على الخصوص التي دأبنا منذ الاستقلال على التعامل معها بمنطق (الجحيم هو الآخر) وهنا في هذه الواقعة نعني بالآخر هو الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي .
لن أحشر أنفي في دخان لن تقوى رئتي على استنشاقه ، ولن أدس يدي لتفتيش جيوب البعض حتى لا تتلقفها أصفاد التطفل ، لكن كوني مواطنا مغربيا وغيورا على سمعة بلادي فهناك حس ما يأكل أرنبة لساني ليس للجواب على الأسئلة الحمراء وإنما لإثارة أسئلة قد يكون عديد من السياسيين والإعلاميين والفاعلين الاقتصاديين طرحوها في صالوناتهم المخملية فوق أرض المغرب المعطاءة .
وكما يقول المثل العربي الماكر ، ذلك المثل البلسم الذي يعفينا دائما من جلد الذات : (رب ضارة نافعة) فلعل حادثة "تايتانيك" المصنع تضع حكومة العثماني أمام الأمر الواقع لتنزل إلى سراديب وأقبية المغرب السري حتى تفضح واقعها المرير تحت شمس العهد الجديد الذي جعل بلادنا في عشرين عاما فقط تقطع أشواطا من التقدم الاقتصادي والحقوقي وبسرعة أذهلت منافسيها وأعداءها في المغرب الكبير وأفريقيا وحوض المتوسط.
فكيف لنا أن نفخر بأن بلادنا ماضية بحزم لتتربع على قمة الريادة إفريقيا في كثير من المجالات الصناعية والطاقية والرقمية والتكنولوجية ، ثم على حين غرة يبدو كل ما أنجز من مشاريع عملاقة كما لو أنه ضرب من الوهم حين تفضحنا بعض زخات مطرية وتعري هشاشة بنيتنا التحتية حتى أضحى فصل الشتاء هو الموعد السنوي الحقيقي لمحاسبة الحكومة والمسؤولين وليس النواب في قبة البرلمان.
إننا لا ننكر المكاسب الحقوقية التي أنجزتها الحكومات المتعاقبة في العهد الجديد منذ حكومة التناوب الأولى وبشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين وتمثيليات الطبقة الشغيلة ، لكن أعتقد أن هذه اللحظة التراجيدية الصادمة قد تكون فرصة سانحة لعلاج بعض الاختلالات في منظومة التشغيل والتي قد يستغلها أعداء المغرب ومرتزقة البوليساريو على الخصوص لتشويه وجهنا السوسيو - اقتصادي في مكاتب المنظمة العالمية للشغل وبالتالي السعي لنسف مخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية تحت ذريعة أن ما يحدث أحيانا في شمال المملكة من اختلالات ما المانع من حدوثها في أقاليمنا الجنوبية في ظل سياسة غض الطرف عن بعض التجاوزات التي تنسف المشروع التنموي المغربي . لهذا ولكسب هذه المعركة وكل المعارك في الداخل والخارج علينا أن نتسلح بالشجاعة الكافية للقطع مع الثقافة الماضوية التي ارتكزت وماتزال على مقولات من قبيل "عندي عندك" و"دهن السير يسير" و"كول وكل" و"باك صاحبي" وما إلى ذلك من آليات الفساد والتدبير الانتهازي التي ستجعلنا دائما نطرح السؤال القلق والملح " أين الثروة !؟ "
0 التعليقات:
إرسال تعليق