الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أبريل 12، 2022

تبخيس الدارجة في الإعلام المغربي : عبده حقي


الدَّارِجَةُ هِي اللِّسَانُ الْعَامِيُّ الَّذِي دَرَجِنَا عَلَى التَّوَاصُلِ بِهِ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظَافِرِنَا فِي مُمَارَسَاتِنَا وَعَلَاَّقَاتِنَا التَّخَاطُبِيَّةِ وَالتَّعْبِيرِيَّةِ الْيَوْمِيَّةِ فِي مُخْتَلِفُ الْفَضَاءَاتِ وَالْوَضْعِيَاتِ التَّوَاصُلِيَّةَ
.

إِنَّهَا قَاسِمُنَا الشَّفَهِيُّ الْمُشْتَرَكُ فِي جَمِيعِ رُبوعِ الْوَطَنِ وَخُلَّاصَةٍ فسيفسائنا الإثنوغرافي اُلْغُنِي بِمَاضِيِنَا وَحَاضِرِنَا.

الدَّارِجَةُ أَيْضًا هِي ذَلِكَ التَّرَاكُمُ الشَّفَهِيُّ التَّارِيخِيُّ الَّذِي صَهَرَتْ هُوِيَّتُهُ عِدَّةَ حَضَاَرَاتٍ عَاشَتْ وَتَعَايَشَتْ عَلَى أرْضِ الْمَغْرِبِ مِنَ الأمازيغ وَالْبِزَنْطِيَّيْنِ وَالْفِينِيقِيَّيْنِ وَالْعُرْبِ والأفارقة وَالْأورُوبِّيِّينَ مِمَّا جَعَلَ مَنْ لَهْجَتِنَا الدَّارِجَةِ تَشْكِيلَةً لِعَدِيدِ مِنَ الرَّوَافِدِ الْإِنْسَانِيَّةَ الَّتِي اِسْتَقَرَّتْ فِي الْمَغْرِبِ مُنْذُ آلَاَفِ السِّنَّيْنِ.

يَتَجَلَّى هَذَا التَّنَوُّعِ فِي أوْضَحُ تمظهراته الْاِجْتِمَاعِيَّةَ فِي عَدِيدُ مِنَ الْأَلْقَابِ الَّتِي يَحْمِلُهَا عِشْرَاتُ الْآلَاَفِ مِنَ الْمَغَارِبَةِ مِثْلُ لَقَبِ الْيَمَنِيِّ وَالْحَضْرَمِيِّ وَالْبَغْدَادِيِّ وَالْغَزَّاوِيِّ وَالشَّامِيِّ وَالْقُرَيْشِيِّ وَالْأَنْدَلُسِيِّ وَالصَّقْلِيِّ وَالْعِلْجِ وَالتِّلِمْسَانِيِّ وَالْمَكِّيِّ وَالسُّعُودِيِّ وَالشَّنْقِيطِيِّ وَالْحَبَشِيِّ.. إِلْخ وَهَذَا مَا يَجْعَلُ مَنْ دَارِجَتِنَا أَصَعْبَ لَهْجَةِ مَحَلِّيَّةِ عَرَبِيَّةِ لِكَوْنِ الْمَغْرِبِ الْأقْصَى شَكْلَ عَبْرِ التَّارِيخِ ذَلِكَ الْمَأْوَى الَّذِي اِلْتَأَمَتْ فِيهِ رَوَافِدَ لُغَوِيَّةَ مُتَبَايِنَةَ تَوَلَّدَتْ عَنْهَا فِي النِّهَايَةِ عَصَّارَةَ دَارِجَةَ رُبَاعِيَّةَ الْاِمْتِدَادَاتِ: أمازيغية، عَرَبِيَّةً، أَنْدَلُسِيَّةً وَإفْرِيقِيَّةً.

مِنْ تَجَلِّيَاتِ إِبْدَاعِنَا الدَّارِجِيِّ فَنَّ الزَّجَلِ وَهُوَ فَنُّ النَّظْمِ الشِّعْرِيِّ الشَّعْبِيِّ الَّذِي تَشَكُّلِ اللَّهْجَةِ الدَّارِجَةِ أدَاتَهُ التَّعْبِيرِيَّةَ وَمَعْدِنَهُ الْخَامَ وَالَّذِي شَكْلٍ وَلَا يُزَالُ يُشَكِّلُ أَبْهَى مَرَاتِبِ الْبَلَاغَةِ الشِّعْرِيَّةِ فِي الْأدَبِ الْمَغْرِبِيِّ.

وَقَدْ بَرَّزَ فِي هَذَا الْجِنْسِ الشِّعْرِيِّ عِدَّةَ أَعْلَاَمٍ وَشُيُوخِ مَغَارِبَةِ أَشْهُرِهِمْ مِنَ الرُّوَّادِ الْمَكِّيَّ بْن الْقِرْشِيِّ الأزموري وَسَيِّدِيَّ عَبْدَالرَحْمَانِ المجدوب وَسَيِّدِيَّ قُدُورِ الْعِلْمِيِّ، هَؤُلَاءِ وَغَيْرَهُمِ اِقْتَبَسَ الْكَثِيرُ مِنْ مُنْشِدِيِّ طَرَبِ الْمَلْحُونِ قَصَائِدَهُمِ الزَّجَلِيَّةَ الْخَالِدَةَ مِثْلُ قَصِيدَةُ الحراز وَقَصِيدَةَ الشَّمْعَةِ وَقَصِيدَةِ الْخَلْخَالِ وَقَصِيدَةِ نَاكِرِ لِحِسَانٍ وَعِشْرَاتِ الْقَصَائِدِ وَالْأَقْوَالِ المأثورة الَّتِي نَظْمِهَا سَيَدِي عَبْدَالرَحْمَانُ المجدوب.

وَمِمَّا لَاشِكْ فِيهِ أَنَّ اَللُّغَتَيْنِ اَلْفَرَنْسِيَّةَ وَالْإِسْبَانِيَّةَ اَلِاسْتِعْمارِيَّتَيْنِ قَدْ اِخْتَرَقَتَا مُنْذُ أَوَاخِرِ اَلْقَرْنِ اَلتَّاسِعِ عَشَرَ نَسَقِنَا اَللُّغَوِيِّ اَلدَّارْجِي مِنْ مُنَفِّذِي اَلسَّيْطَرَةِ ثُمَّ اَلتَّحْدِيثِ وَالشِّفَاهِيَّةِ اَلْمُتَدَاوَلَةِ حَيْثُ غَمَرَتْ اَلدَّارِجَةَ اَلْمَغْرِبِيَّةِ اَلْمِئَاتِ مِنْ اَلْكَلِمَاتِ اَلْفَرَنْسِيَّةِ وَالْإِسْبَانِيَّةِ وَالْبُرْتُغَالِيَّةِ وَذَلِكَ حَسَبَ نُفُوذِ هَذِهِ اَلدُّوَلِ اَلِاسْتِعْمَارِيَّةِ مِمَّا أَدَّى إِلَى إِفْرَازِ لُغَةٍ دَارِجَةٍ مَعْطُوبَةٍ فَقَدَتْ هُوِيَّتُهَا اَلْأَمَازِيغِيَّةُ وَالْعَرَبِيَّةُ اَلْخَالِصَةُ وَشَابَتْهَا عَشَرَاتِ اَلْعِبَارَاتِ مِنْ هَذِهِ اَللُّغَاتِ اَلِاسْتِعْمَارِيَّةِ إِلَى أَنَّ بَاتَ اَلْيَوْمَ مِنْ اَلْعَادَاتِ اَلرَّاسِخَةِ وَالْمَشِينَةِ لِنَخْبِنَا اَلْمُتَعَلِّمَة هِيَ اَلتَّبَاهِي بِإِقْحَامِ كَلِمَاتٍ وَجُمَلٍ فَرَنْسِيَّةٍ فِي اَلْأَحَادِيثِ اَلْيَوْمِيَّةِ كَمَظْهَرِ مِنْ مَظَاهِرِ اَلتَّقَدُّمِ وَالْعَصْرَنَةِ وَنَوْعًا مِنْ اَلْوَهْمِ بِالِارْتِقَاءِ اَلِاجْتِمَاعِيِّ وَالطَّبَقِيِّ . وَقَدْ أَسْهَمَ كَثِيرًا فِي تَكْرِيسِ هَذَا اَلتَّشْوِيهِ اَلدَّارْجِي قَنَوَاتِ اَلْإِعْلَامِ اَلسَّمْعِيِّ اَلْبَصَرِيِّ اَلْعُمُومِيَّةِ وَالْخَاصَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ اَلَّتِي دَأَبَتْ عَلَى غَضِّ اَلطَّرَفِ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَشْجِيعُ اَلْمُوَاطِنِ اَلْمَغْرِبِيِّ ضِمْنِيًّا عَلَى تَكْرِيسِ هَذَا اَلتَّشْوِيهِ اَلدَّارْجِي وَبِالتَّالِي مُسَاهَمَتُهَا فِي تَعْزِيزِ اَلتَّوَغُّلِ وَالتَّغَوُّلِ اَلْفِرَنْكُفُونِيِّ اَلْيَوْمِيِّ فِي ثَقَافَتِنَا اَلشَّفَهِيَّةِ اَلْمُتَدَاوَلَةِ . فَلِمَاذَا لَا تَصْدُرُ اَلْهَيْئَةُ اَلْعُلْيَا لِلسَّمْعِيِّ اَلْبَصَرِيِّ ( اَلْهَاكَا ) مُذَكِّرَةً تَمْنَعُ فِيهَا هَذِهِ اَلْقَنَوَاتِ اَلتَّلْفَزِيَّةِ وَالْمَحَطَّاتِ اَلْإِذَاعِيَّةِ بَثَّ أَيِّ حِوَارٍ أَوْ مَيكْرُو تَرْوَتْوَارْ يَخْلِطَ فِيهِ اَلْمُوَاطِنُونَ اَلْمُسْتَجْوِبُونَ اَلدَّارِجَة بِالْفَرَنْسِيَّةِ بَلْ لِمَاذَا لَا تُشَجِّعُ مُسْتَجْوِبِيهَا بِتَنْبِيهِهِمْ قَبْلَ تَسْجِيلِ اَلْحِوَارِ إِلَى ضَرُورَةِ اَلتَّحَدُّثِ بِلَهْجَةٍ دَارِجَةٍ خَالِصَةٍ وَهَذَا لَيْسَ فِي وُجْهَةِ نَظَرِي تَطَرُّفًا اِنْتِمَائِيًّا أَوْ شُوفِينِيَّةٍ وَطَنِيَّةٍ أَوْ قَوْمِيَّةٍ بَلْ إِنَّنَا كَمَغَارِبَةٍ قَدْ عَرَفْنَا دَائِمًا بِانْفِتَاحِنَا اَلْمُتَفَرِّد فِي اَلْعَالَمِ اَلْعَرَبِيِّ عَلَى كُلِّ أَشْكَالِ وَتَجَلِّيَاتِ اَلْحَدَاثَةِ وَالْمُثَاقَفَةِ حَيْثُ يَزْخَرُ مُشْهِدَنَا اَلْإِعْلَامِيَّ بِقَنَوَاتِ فِرَنْكُفُونِيَّةَ مُوضُوعَاتِيَّة يُمْكِنَ أَنْ يَتَحَدَّثَ فِيهِ أَيُّ مُوَاطِنٍ مَغْرِبِيٍّ بِالْفَرَنْسِيَّةِ أَوْ اَلْإِسْبَانِيَّةِ أَوْ اَلْإِنْجِلِيزِيَّةِ بِمُنْتَهَى اَلتِّلْقَائِيَّةِ وَحُرِّيَّةُ اَلتَّعْبِيرِ .

فِي إِحْدَى حِوَارَاتِهِ اَلَّتِي شَكَّلَتْ فِي رَأْيِي صَرْخَةً إِعْلَامِيَّةً شَدَّدَ اَلْمُنْتَجُ وَالْمُطْرِبُ اَلْعَالَمِيُّ نَادِرٌ اَلْخِيَاطْ اَلْمُلَقَّبِ ب " رِيدْوَانْ " فِي حِوَارٍ أَجْرَتْهُ مَعَهُ قَنَاةَ " شَدِّي إِفْ إِمْ " اَلْمَغْرِبِيَّةِ فِي مَارَسَ اَلْفَارِطْ بِمُنَاسَبَةَ تَعْيِينِهِ مُدِيرًا فَنِّيًّا لِلْفِيفَا ، شَدَّدَ " رِيدْوَانْ " عَلَى ضَرُورَةِ اِهْتِمَامِ اَلْمُجْتَمَعِ اَلْمَغْرِبِيِّ وَالشَّبَابِ مِنْهُ عَلَى اَلْخُصُوصِ بِاللَّهْجَةِ اَلدَّارِجَةِ فِي مُخْتَلِفِ قَنَوَاتِ اَلتَّوَاصُلِ اَلْوَاقِعِيَّةِ وَالِافْتِرَاضِيَّةِ وَحَثِّهِمْ عَلَى تَجَاوُزِ اَلشُّعُورِ بِمُرَكَّبِ اَلنَّقْصِ وَالشُّعُورِ أَيْضًا بِذَلِكَ اَلْعَطَبِ اَلسُّوسِيوثَقَافِي اَلَّذِي يَتَبَدَّى جَلِيًّا فِي تَبَاهِي شَبَابِنَا بِإِقْحَامِ اَللُّغَةِ اَلْفَرَنْسِيَّةِ فِي اَلدَّارِجَةِ خُصُوصًا عَلَى مَوْقِعِ اَلتَّوَاصُلِ اَلِاجْتِمَاعِيِّ إِنِسْتِغْرَامْ . إِنَّ اَلِانْفِكَاكَ مِنْ هَذَا اَلْمَأْزِقِ اَلِاسْتِعْمَارِيِّ اَلْبَائِدِ وَالتَّشَوُّهِ اَلدَّارْجِي فِي رَأْيِي تَتَحَمَّلُ مَسْؤُولِيَّةَ تَقْوِيمِهِ وَعِلَاجُ لَازِمَتِهِ عِدَّةَ أَطْرَافٍ لَعَلَّ أَوَّلَهَا اَلْأُسْرَة ثُمَّ وِزَارَةُ اَلتَّعْلِيمِ وَوَسَائِطَ اَلْمِيدْيَا وَقَنَوَاتُ اَلْإِعْلَامِ اَلْعُمُومِيِّ وَالْخَاصِّ وَجَمْعِيَّاتِ اَلْمُجْتَمَعِ اَلْمَدَنِيِّ وَخُصُوصًا اَلثَّقَافِيَّةَ مِنْهَا .


0 التعليقات: