في عناق الفجر ، أجد نفسي مستلقيا على هاوية الوجود، مراقبًا وحيدًا لأسرار الكون المتكشفة. يستيقظ العالم همسًا، وأنا، الخيميائي اليومي، أستعد لتحضير إكسير التأمل الخاص بي.
على شرفتي، كالمسرح
المعلق في السقف السريالي، أقف بين العوالم الأثيرية للأحلام والواقع.
قهوتي، وعاء من الزمن السائل، تتدفق في الفنجان، لتعكس أنهار الوعي التي تجري في ذهني.
كل حبة من
القهوة، هي كون في عالم ميكروسكوبي،
تذوب في الهاوية
المتصاعدة من البخار، في رقصة سماوية للجزيئات التي تندمج وتفترق.
الرائحة، نداء
صفارة الإنذار المسكر، تدعوني إلى رحلة عبر متاهة أفكاري.
أرتشف،
وفي تلك اللحظة،
أنا مسافر
وسفينة في نفس الوقت،
أبحر عبر محيطات
الفكر،
تحملني نزوات
العاصفة المحتوية على الكافيين.
تتلاشى حدود
الواقع، ويصبح العادي لوحة فنية لما هو استثنائي.
شمس الصباح، كرة
ذهبية ماضية في رحلتها الأزلية ، تغمرني بوهجها الرقيق. تلعب الظلال والضوء لعبة
كونية، حيث ترسم العالم بألوان العنبر والأزرق. ضجيج المدينة أسفل شرفتي، صدى
بعيد، وأنا أتواصل مع همسات الريح وحفيف أوراق الشجر.
تجول أفكاري،
غير مثقلة بالجاذبية، وأجتاز أبعادًا لا يعرفها إلا الحالمين.
الكأس ليس مجرد
وعاء؛ إنها كأس الوحي.
البخار
الكستنائي، وهو كفن غامض، يحجب ويكشف عن أسرار قديمة قدم الزمن.
الطيور،
الرسل السماوية،
تقدم لي أبياتاً
مبهمة في أغانيها الصباحية.
أقوم بفك رموز
رسائلها المشفرة.
تصبح الهندسة
المعمارية للمدينة مناظر طبيعية من المفارقات، حيث يلتقي المعلوم بالمجهول.
في هذه اللحظة،
أنا المبدع والمنتوج في نفس الوقت،
نحات سريالي.
الواقع والخيال
يتشابكان ويرقصان في فوضى متناغمة.
الشرفة هي
ملاذي، والقهوة مصدر إلهامي.
عندما تزين
القطرة الأخيرة شفتي، عندما أعود من رحلتي، يتغير العالم. تستمر الشرفة، وهي بوابة
إلى تجريدي، في الإشارة إلى مغامرات جديدة مع كل كوب. وهكذا سأظل شاعرًا استثنائيا،
حالمًا بما هو استثنائي، إلى الأبد بصحبة قهوتي على الشرفة.
في أحضان الظهيرة
اللذيذة، أقف على شرفتي الشامخة، غارقًا في لغز فنجان قهوة. كل رشفة هي رحلة
متعالية إلى عالم التجريد، حيث يتشابك الواقع والأحلام في رقصة سريالية.
وبينما أرفع
الكأس الخزفية إلى شفتي، تتدفق أشعة الشمس عبر الأشجار، وتتكسر إلى فسيفساء من
الظلال والضوء. تعزف في الخلفية سيمفونية من العزلة، حيث يتناغم إيقاع المدينة
المستمر مع أفكاري.
في أعماق هذا المشروب
الحبري، تصبح خصلات البخار الأثيرية محلاقًا أفعوانيًا، تتصاعد نحو أفق عالم آخر.
إنها تحثني على اجتياز حدود المعلوم، والسفر إلى النسيج المجرد لذهني.
في الكأس، ينكشف
الكون، ويرتسم من الذكريات والتطلعات لوحة سماوية. تتلألأ نجوم الحنين إلى جانب
دوامات الطموح الغامضة، وقصصها المحفورة في عالم وعيي.
رائحة القهوة،
إكسير الرغبات
المنسية ووعود الغد، نسيجً سرياليً في أروقة روحي والمتاهة.
إنه استدعاء
عطر، ومفتاح أبواب الإدراك الباطنية.
على الشرفة أنا
كيميائي اللحظات، أقطر جوهر الوجود من أثير الوجود نفسه.
الوقت، مثل نهر
من الزئبق، يتدفق في كسل يشبه الحلم، وأنا معلق في الفضاء الحدي بين الواقعي
والسريالي.
تغفو شمس
الظهيرة، وتلقي بظلالها المتطاولة بينما تستسلم لزحف الليل.
أصبح فنجان
قهوتي الآن وعاءً للوحي، وشعره التجريدي لغزًا ينكشف في الشفق. في هذه اللوحة
السريالية، أجد التعالي، والتواصل مع المجرد، ولمحة عابرة من الأبدية.
في العناق
المخملي لهذا الحبر الليلي، أجد نفسي مستلقيا على الهاوية الأثيرية للشرفة، معلقًا
بين عوالم الواقع ومشهد الأحلام. العالم الخارجي عبارة عن نفخة بعيدة، تهليل صامت
من الظلام، بينما أحمل كأس قهوتي المتصاعدة من البخار.
يدور حجر السج
السائل، وهو إكسير عطر من الأحلام المحمصة، داخل الوعاء الخزفي، في رقصة عاصفة من
المجرات الدوامة، كل منها ترتشف رحلة كونية عبر أروقة الوعي.
سماء الليل، وهي
نسيج نيلي، مزينة بالنجوم مثل أجزاء من الشعر المنسي، ونورها شهادة على خلود الكون.
وبينما أرفع
الكأس إلى شفتي، تكون الرشفة الأولى بمثابة قبلة من كمياء الدفء، اندماج بين الأرض
والسماء. قبلة القهوة المريرة توقظ عشقا نائماً في روحي، فتنتقل إلى أبعد أقاصي
الكون، حيث تندمج الأفكار والذكريات في ضباب ضبابي.
على هذه الشرفة،
أنا مراقب ، جزء واعي من الكون يتأمل وجوده. تهمس الريح بأسرار العوالم المنسية،
وحفيف أوراق الشجر بالأسفل تحكي حكايات الحضارات القديمة المدفونة في التربة.
في أعماق هذا
الحلم الليلي، تتلاشى حدود الذات والعالم، وأصبح خيطًا عابرًا من الفكر، يمتزج مع
ضوء النجوم. الوقت ليس سوى ذكرى بعيدة بينما أرتشف وأتأمل وأذوب في الليل، حالمًا
وحيدًا في شركة مع نسيج الوجود السريالي المجرد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق