الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، نوفمبر 11، 2023

نص سردي "أجنحة الحظ" (2) عبده حقي

الحظ، هذا الكيان المراوغ، جعلني أتجول بين الأحلام والأهوال، بين الآمال العابرة وخيبات الأمل التي لا هوادة فيها. لقد أخذتني إلى قمة الوهم لترميني بشكل أفضل في هاوية الواقع، وتتركني متأثرًا بقسوة هذا العالم إلى الأبد. أنا طفلة القدر المترنحة، المتأرجحة بين الحياة والموت، بين سكرة الأمل وبرودة الهجر.

وهكذا أبقى أسير هذا الرقص الأبدي بين النقيضين، بين الزوال والأبدية، بين حلاوة الأحلام ووحشية الاستيقاظ. يغني الموت لحنه الجنائزي، بينما الحياة، في هشاشتها، تستمر في النبض في داخلي، سيمفونية متنافرة لكنها إنسانية رائعة.

لقد غمرني الحظ، المتغير مثل الأمواج، بملاءاته الحريرية، وهزني بحنان في شرنقة من السكينة. في تلك اللحظات التي وزعت فيها الابتسامات والكرم على الجميع، المليئة بالكرم اللامحدود، فجأة، كما لو أن قوة ماكرة خرجت من الظل، تغير كل شيء. كان الأمر كما لو أن بكرة غير مرئية انفلتت، وألقت بي في هاوية لا نهاية لها، في سقوط مذهل.

وفي لمح البصر، تحولت نعومة الملاءات الطازجة إلى فراغ سحيق. كل ما اعتقدت أنني قد تبخرت في ضربات القلب. لقد ضربني الواقع، وأعادني بوحشية مثيرة للقلق إلى أرض قدري الصعبة، الأرض التي أصبحت الآن متجهة لي بشكل لا يمكن إصلاحه.

كانت هذه اللحظة بمثابة رقصة غير متوقعة، سيمفونية مفاجئة ووحشية حيث تحول النعيم فجأة إلى فوضى. الحياة، مثل حبل مشدود فوق الهاوية، انقطعت دون سابق إنذار، وتركتني أقع في التقلبات والانعطافات القاسية في قصتي.

لقد رباني الحظ، الذي كان غالبًا رفيقًا متقلبًا، ليغمرني بشكل أفضل في أعماق الوجود التي لا يمكن سبر غورها. أجد نفسي، مرة أخرى، في مواجهة الواقع القاسي، وهو مصير لا مفر منه، وهو الآن مصيري إلى الأبد.

هذا السقوط المفاجئ، ودوار الروح هذا، انتزعني من هذا الوهم الجميل، وأعادني إلى الواقع الخام للحالة الإنسانية. ومن الآن فصاعدا، أحمل ندوب هذا الخريف، شهادة لا تمحى على هشاشة يقيننا وتقلب إنجازاتنا.

لقد تحولت نعومة الملاءات الطازجة إلى إدراك مرير. أدرك، في قسوة هذا الخريف، أنه لا شيء يؤخذ على محمل الجد، وأنه حتى الثروة الأكثر ذكاءً يمكن أن تتبدد في لمح البصر. إن الأرض الباردة التي أسقط عليها أصبحت الآن مألوفة بالنسبة لي أكثر من أي وقت مضى، لأنها هناك تتشكل الآن الخطوط العريضة الحتمية لوجودي.

وهكذا، مثل المشاء على حبل مشدود على خيط الوجود الهش، أتنقل بين وهم السيطرة وواقع القدر العنيد. لقد جلب لي الحظ، في أحضانه العابرة، ملاءات ناعمة فقط لتنتزعها مني، مما يسمح لي بالسقوط على أرض قدري القاسية، وهو القدر الذي أصبح الآن راسخًا بداخلي إلى الأبد.

يتبع


0 التعليقات: