الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، نوفمبر 09، 2023

"انتقام من الانتقام" عبده حقي


هناك شيء دقيق ووحشي في الطريقة التي تتشابك بها المشاعر داخلنا، مما يقودنا إلى مسارات لم نتخيلها أبدًا.

يبدو أن الحياة نفسها هي قصة ملحمية عن الانتقام والحب، وأنا مقتنع أنه في قلب هذه الاضطرابات، تتمتع النساء بقدر غير عادي من التعقيد والقوة والعاطفة.

قصتي هي قصة امرأة شكلتها الأحداث، ونسجها الانتقام والحب، حكاية شكلت فيها نزوات القدر كل خطوة خطوتها، وكل نبضة من نبضات قلبي. لقد شكّلني الانتقام والحب، ودفعاني إلى أقصى الحدود التي لم أحلم بها، ومنحني لحظات من الجمال الفائق، فضلاً عن أعماق اليأس.

أتذكر اليوم الذي ظهرت فيه شرارة هذه الازدواجية بداخلي. كان عصرًا هادئًا، وكانت الزهور تتفتح في حديقة العائلة. كنت فتاة صغيرة مثخنة بالأحلام، طفلة شكلها الحب غير المشروط من والدي. لكن في ذلك اليوم، مزق خبر خيانة حبي الأول حجاب براءتي. علاقته مع صديقة مقربة تركت روحي في حالة يرثى لها، وخلقت فجوة مظلمة في قلبي النقي.

نبت الانتقام في شقوق ثقتي المكسورة. نما مثل نبات خبيث، يتغذى بالألم والمرارة. أقسمت أن أجعله يشعر بنفس الألم الذي سببه لي، لكن الألم كان ناراً تأكل كل شيء في طريقي.

في سعيي للانتقام، تعثرت. لقد تسببت أفعالي المتهورة في إحداث الفوضى، وإيذاء النفوس البريئة. لقد أضلني تعطشي للعقاب، وهدد ظلمة غضبي بابتلاعي.

ومع ذلك، في لحظات الظلام هذه اكتشفت قدرتي على الصمود. تعلمت أن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على النهوض بعد السقوط. مسترشدة بالحكمة الجديدة، شرعت في رحلة داخلية، أعيد بناء نفسي قطعة قطعة، واكتشفت نسخة أقوى وأكثر تعاطفاً من نفسي.

في هذه الفترة من الولادة الجديدة التقيت بشخص. لقد أزال بابتسامته الدافئة ونظرته اللطيفة الغيوم السوداء التي كانت تحوم حولي. كان حبه بلسمًا لندوب قلبي، ويشفي الجراح التي خلفتها خيانة الماضي.

بين ذراعيه، تعلمت أن الحب يمكن أن يكون حلوًا، وأنه يمكن أن يكون ملجأ من العاصفة. لقد أضاء عالمي بنور اعتقدت أنني فقدته إلى الأبد. ولكن حتى في ظل هذا الحب، كنت لا أزال أحمل عبء الانتقام الذي لم يتحقق.

لقد عادت فرصة انتقامي إلى الظهور، بعد سنوات من دفني في تقلبات ذاكرتي. لقد طاردني إغراء السعي لتحقيق العدالة عن الضرر الذي لحق بي. ومع ذلك، بينما كنت أقف على حافة هاوية الانتقام، امتلأ قلبي بإدراك آخر.

أدركت أن الانتقام لن يؤدي إلا إلى دورة لا نهاية لها من الألم. أدركت أن إشباع رغبتي في الانتقام لن يجعلني سعيدًا، لكنه أيضًا سيبتلع الانسجام الذي وجدته في هذا الحب الناشئ. اخترت ألا أستسلم للإغراء، وأدع انتقامي يذوب في الماضي مثل الأمواج التي تتلاشى على ضفة الشاطئ.

الحب كالشعر، منسوج في النجوم، مرسوم بالابتسامات، ومغنى في صمت قلوبنا. إنه القوة التي تسمو على الانتقام، وتحول البربرية إلى تعاطف، وتقدم الوعد بالخلاص لكل من يختار طريق الانسجام.

لذا، في كل نبضة من قلبي يكمن الشعر، سيمفونية من المشاعر، رقصة بين الانتقام والحب، حيث يجد جوهر كياني السلام والأمل والحب غير المشروط.

0 التعليقات: