الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، نوفمبر 09، 2023

نص سردي "في المنفى" عبده حقي

 


أجدني كائنًا مثخنا بالكآبة، أبحر في تجارب حربائبية، أتفحص الشك في عيون الآخرين. أنا عشب مهيب في هذا الحمام النباتي، عملت عليه العناصر، وأتأرجح بين اللونين البني والأشقر، هناك زهرة متطرفة تنمو من رأسي. عري ثابت، ثدياي يحملان عبء الخدمات المرفوضة، وضحكتي ممزوجة بألوان شجر السرو.

أمشي بين الأشجار ، أصير العاصفة التي تحمي نفسها، تكسر جذوع الضوء، توزع أسلحة خرقاء على العشب والحشرات واللهب الأخير. تمتزج أبخرة الخريف برماد الشتاء، وتفقد اللؤلؤة السوداء ندرتها، وتتحد الرغبة والملل في رقصة يتحول فيها الهوس إلى دوامة من النسيان.

لا تتم التضحية بأي شيء، كل شيء يُنسى، لكن رائحة الركام لا تزال تحيط بي حتى عندما أغمض عيني. في لحظات المنفى الداخلي هذه، أجدني، كيانًا غارقًا في واقع يلا أدركه إلا من خلال عيون الآخرين، واقع غير مؤكد يفلت مني.

أنجرف مثل قارب بلا دفة، تحمله أمواج الأقدار، أبحث عن مكاني، جوهري وسط هذه العاصفة المستديمة. يمتزج تفكيري مع انعكاسات الكائنات التي تعترض طريقي، وتتحول نظراتهم إلى مرايا أسعى من خلالها إلى تمييز هويتي الحقيقية عنهم.

منفيًا من نفسي، أتحول إلى عاصفة، تهز أسس وجودي، وتوزع ومضات من المشاعر على أولئك الذين يقتربون، ساعيًا إلى إلقاء الضوء على التجاويف المظلمة لكياني المعذب.

مع كل خطوة في أرض المنفى هذه، أتعمق أكثر في طبيعة تناقضاتي، ممزقًا بين حزن الواقع الذي يراه الآخرون والقوة غير المتوقعة للهوية التي ترفض أن يتم تعريفها بالكامل من قبل أعين الآخرين.

أنا النبتة الكبرى في غابة الشكوك هذه، جذوري تتشبث بالأرض وأنا أستكشف السماء، أحاول التوفيق بين صلابة قناعاتي ونعومة شكوكي.

تمر الفصول، وتفسح نيران الخريف المجال لرماد الشتاء، رموز التحول الدائم للروح في المنفى. تتنافس الرغبة والملل على مساحة في ذهني، في رقص لا يكل، حيث يمتزج العذاب بالرغبات غير المُشبَعة.

في قلب هذا التطواف، أعانق نيران اللايقين. أصبحت العاصفة والهدوء، المطر والشمس، الصفاء والاضطراب، وأستكشف الجوانب المتعددة لتعقيداتي.

منفيًا بين العوالم، أجد ملجأً في التأمل، والغوص في أعماق كياني لأدرك الحقيقة المختبئة خلف الأقنعة التي أرتديها للعالم الخارجي. هذا هو الفضاء الذي أكتشف فيه نفسي، عاريًا وأصيلًا، بعيدًا عن النظرات والأحكام الخارجية، حيث تتشكل أفكاري، متحررة من كل القيود.

أنا المنفى والترحيب معا، النسيان والذاكرة، الحزن والفرح، كائن في بحث دائم عن حقيقته. أتتبع طريقي عبر متاهة العواطف والمفارقات، وأواصل رحلة لا نهاية لها نحو فهم نفسي، وأسعى إلى كشف النقاب عن الألغاز المدفونة في أعماق روحي.

0 التعليقات: