الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، نوفمبر 12، 2023

قصة قصيرة "حلم حافي القدمين" عبده حقي


ألفيت نفسي أعبر الطرقات الجانبية لقرية غريبة عني . يتردد صدى خطواتي في رقصة متزامنة مع الخطوط السريالية للمسارات المألوفة، كما لو أن الواقع نفسه منخرط في رقصة خفية. كان هناك إيقاع سري يوجه مساري، واحتضنني عدم اليقين، مشاركًا وراغبًا في هذه المهزلة الطيفية.

كان بين ذراعي طفل يبلغ من العمر عامين، طفل الأحلام، تتناغم ضحكته مع همسات الكينونات العجيبة. القرية، شبح اللاوعي، كشفت عن مساراتها الضيقة، المتعرجة والغادرة، مثل الخيوط المتقلبة لنسيج سريالي حبكته أيادي الأحلام.

وسط ضباب اللايقين، تردد صدى بعيد - شبح دخان يطاردني يحوم حول أطراف حواسنا معا. شبح ربما ولد من رحم انفجار مباغت، تتشابك محاليقه الأثيرية مع نسيج ذاتي الحالمة. بدت القرية وكأنها تتلوى، إذ وقعت في خضم تحول غير مرئي.

وبينما كنت أطوف في متاهة المجهول، أصبحت خطواتي بمثابة رثاء للقلق الذي ظل عالقًا في الهواء. كل تطور ودوران، كان بمثابة محور في رقص العقل الباطن، قادني إلى عمق أكبر في ثنايا هذه القرية الصغيرة الخيالية. والطفل الذي بين ذراعي، كان غافلاً عن هذا المشهد السريالي، صار يقرقر بضحكة براءة نقية، تناقض اللغز الذي يحيط بنا.

تحت السماء الزرقاء التي شهدت على تناقضات هذا الحلم، وجدت نفسي أهبط الهاوية، في مستوى مائل يتحدى قوانين الفيزياء. يبدو أن القرية كانت بمثابة خلق متناقض حيث لا يوجد أي سيطرة للمعايير الكونية، وكانت كل خطوة بمثابة شهادة على هشاشة واقعي المثخن بالأحلام.

ومع استمرار الانحدار، كان يتراقص مشهد من الأشكال والألوان أمام عيني، بانوراما مهلوسة رسمتها يد اللاوعي. تحولت الظلال إلى كيانات عابرة، تهمس بأسرار لا يعرفها إلا الحالمون. ترددت أصداء محادثاتهم السرية في داخلي، مما جعلني مشاركًا ومتفرجًا في هذا المسرح الليلي.

في حضيض الهبوط المتعرج ذاك ، انكشف الواقع مثل بكرة خيط منحلة، ووقفت على عتبة وحي غير متوقع. تبدد الدخان، الذي كان نذيرًا لاضطراب غير مرئي، وكشف عن مساحة من الغموض الجلي. شعرت بنفسي مندمجًا مع مشهد الأحلام، وهو غشاء مسامي بين الملموس وغير الملموس.

وبعد ذلك، سيطر عليّ وعي مفاجئ - غياب غريب تجاوز السريالية. كان باطن قدمي، مجردًا من مداعبة حذائي المألوف، يلامس أرض الطمي المبلل بالأحلام. بزغ إدراك عندما رأيت قدمي العاريتين، تناقض ميتافيزيقي في نسيج حلمي.

القرية، التي كانت ذات يوم مظهرًا من مظاهر النزوة، أصبحت الآن مسرحًا لوجودي وأنا حافي القدمين. غياب الحذاء، وهو شذوذ في رواية الأحلام، أوقعني في مشهد سريالي يتحدى منطق اليقظة والنوم. الطفل الذي بين ذراعي، منارة البراءة، بدا منزعجا من هذه الغرابة الميتافيزيقية، قانعًا بين ذراعي حالم متحرر من قيود اليومي.

وبينما كنت أسير على الطرق المثخنة بالأحلام، أصبح غياب الحذاء لغزًا رمزيًا، رمزًا للتحرر من أغلال الأعراف. كانت الممرات الضيقة، والمنحدرات الرخوة، والدخان الغامض، خيوطًا منسوجة من الرمزية العميقة، مشهد حلم يدعو الحالم إلى فك رموز رسائله الكامنة.

في ضياع الحذاء، شعرت بالحضن البارد للأرض الغارقة في الأحلام، بالتواصل مع المناظر السريالية التي احتضنتني بين ذراعيها. إن الطفل الذي بين يدي، وهو عبارة عن شفرة من النقاء وهو غير مثقل بالتعقيدات التي تقيد العقل المستيقظ.

واصلت التطواف في قرية الأحلام، نزيلًا في واقع شكلته أهواء اللاوعي. امتدت الممرات الضيقة مثل الأوردة المتعرجة، تحمل شريان الحياة لوجود بديل. الطفل الذي بين ذراعي، شهادة على إمكانيات الأحلام اللامحدودة، ضاحكًا كما لو كان مطلعًا على الأسرار الكونية التي تهمسها القرية .

وفي حضن هذا الحلم السريالي، أدركت أن القرية ليست سوى كناية عن متاهة العقل، وهي أرض يشترك فيها الواقع والوهم في رقصة دائمة. أصبح ضياع الحذاء إعلانًا للتيه، وتجاوزًا لمعايير المشاة التي تحكم عالم اليقظة.

عندما كشف الحلم عن نسيجه الغامض، أصبحت أسيرًا راغبًا، وحالمًا يبحر في تضاريس اللاوعي. كانت القرية، بمنحدراتها الخطيرة ومساراتها المتعرجة، بمثابة شهادة على الأرض المتقلبة للأحلام - عالم يندمج فيه الدنيوي والخيالي في رقصة متغيرة الألوان.

في النهاية، بينما تلاشت قرية الأحلام في ضباب اليقظة حملت معي أصداء تلك الإقامة السريالية. الطفل، الذي أصبح الآن خصلة من الضحك في فترات استراحة ذهني اليقظ، وضياع الحذاء، رمز التحرر. استيقظت، ليس مع الإجابات، ولكن على صدى رحلة عبر الممرات السريالية للذات الحالمة

0 التعليقات: