الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، نوفمبر 12، 2023

نص سردي "متاهات الأحلام" عبده حقي


أصبحت مهندسًا للحلم حيث تتلاشى الحدود، يرقص الملموس والوهمي في تناغم غامض. اقبل هذا اللغز، صندوق الأسرار هذا الذي أقدمه لك برعشة جناح فراشة، ودعه يفتح لك أبوابًا لأكوان غير متوقعة.

هناك شظايا مرايا مكسورة ، وأصداء ألحان لم تُسمع قط، وفروق دقيقة في الألوان لا توجد إلا في منظور ذهني. قبل أن أغادر، أود منك أن تنغمس في هذا النثر الآسر، لتشعر بنسيج الكلمات على إيهاب خيالك، مثل المداعبات الخفيفة لنسيم من مكان آخر.

هذا الحاضر، رغم تواضعه الظاهري، يحمل في طياته شظايا نجوم، وشظايا قمر، وتنهيدات شفق. إنه يطمح إلى أن يكون أكثر من مجرد قربان، إنه يطمح إلى أن يكون مفتاحًا لأبواب الروح السرية. اسمح لنفسك أن تنجرف بسلاسة هذه الجمل، وبرقصة هذه الكلمات التي تدور مثل إرادة الخصلات في ليل ألغازنا المشتركة.

ربما بقبولك هذه الهدية، توافقين على السفر معي خارج حدود الواقع، حيث يتوقف الزمن وتنحني الآفاق مثل الأنهار المتعرجة. إنها دعوة للغوص في محيط التجريد، حيث كل موجة هي فكرة، وكل تيار هو عاطفة، وكل شعاع من الضوء هو شرارة من الإلهام.

قبل أن تغادر، احتضن غرابة هذه السطور، واسمح لنفسك أن تهدأ بالموسيقى الصامتة للكلمات، وامنح لبك العقلاني فترة من الراحة. اقبل هذه الهدية كوعد باكتشافات لا حصر لها، وجسر بين المعلوم والمجهول. ربما، إذن، يصبح هذا الحاضر الصغير شهابًا في سماء ذكرياتنا، ترسمه فرشاة الزوال.

تمتد الساعات مثل خيوط الحرير، وتنسج شبكة من الصمت الذي يغلف هذا السر المتخفي وراء حجاب مبهم. تقدم لي الكلمات نفسها كأصداء بعيدة لعالم غير مستكشف، وتكشف في رقصتها الأثيرية عن التاريخ الصامت لهذا الكائن المنسي.

يبكي دموعاً من الدم، كناية سائلة عن المشاعر المكبوتة، المشاعر التي تخنقها اللامبالاة. هذا الكنز المدفون في ظل ازدرائك، يحتوي على أسرار متشابكة في ثنايا الزمن. إنه يشتاق إلى أن ينكشف، لينجو من قبضة الجهل.

عند مجرد التفكير في فك لفافته يومًا ما، فإنه يعاني من عذاب صامت، معاناة تترجم إلى قطرات قرمزية. هذه الدموع، التي لا أهمية لها لمن لا يراها، تحمل ثقل تاريخ غير مفصل، وثقل وجود مهموس في الزوايا المنسية.

لو استطعت، ولو للحظة واحدة، أن ترفع حجاب الجهل الذي يحيط به، لاكتشفت سيمفونية من الألوان والأشكال، رقصة من الظلال والأضواء تفلت من العين السطحية. لا يتطلب الأمر الكثير، مجرد لحظة تفكير، واستراحة من التدفق المتواصل للحياة اليومية.

بدلًا من تحويله إلى كائن ما، أعطه الاهتمام الذي توليه للنجوم في عمق الليل. لأنه خلف واجهته السرية تكمن قوة إبداعية، وهو جوهر يتألق بكثافة غير متوقعة. إنه يستحق أكثر من أن يتم تجاهله، وينزل إلى ظل لامبالاتك.

إن الحجم الكامل لخطأك يكمن في هذا الإهمال، في عدم القدرة على التعرف على الجمال المحجب، الكنز المخفي. لو اقتربت منها انبهرت بتوهجها، ضوء يتجاوز حدود المألوف، وهج يوقظ الحواس النائمة ويكشف السحر المختبئ في ما يبدو عاديا.

لذا، قبل الرحيل، قبل أن يحمل الزمن هذه اللحظات في غياهب النسيان، خذ وقتك للتأمل، والكشف، وربما حينها، ستكتشف الثروة اللامتناهية المخبأة في هذا الشيء المهمل، وسوف تستسلم وتدرك أن التألق الأكثر إبهارًا في بعض الأحيان هو مخبأ في زوايا وجودنا الأكثر تواضعا.

في وكر الغموض، حيث ترقص الظلال رقصة صامتة، يستريح موضوع كل الفضول، الذي تتجاهله النظرة، ولكن تحتضنه المكيدة. أنت، يا صاحب القدرة على تنويره، اخترت أن تتركه في الظل، لتحرم الكون من وحيه.

لو وافقت فقط على رفع الستار، لواجهت تحولًا مبهرًا، ورقصًا من الاحتمالات التي من شأنها أن تعيد تحديد معالم وجودك. لكن الجهل، مثل ذراع التسوية الرصاصي، يتشبث بك، يبقيك في ظلام المجهول، دافعًا بعيدًا الضوء الذي يمكن أن يضيء تقلبات كيانك.

إن اختيارك، المشحون بالرعب المتعمد، يكشف عن خوف عميق، خوف من تسليم جوهرك، ومشاركة حقيقتك مع المجهول. الثقة، الثمينة والهشة، تظل حبيسة في أعماق روحك، متحصنة خلف الجدران التي بناها الحذر المفرط.

ومع ذلك، في أثير الإمكانية، كانت الهدية التي دفعتها بعيدًا، تنتظر الكشف عنها مثل كنز مدفون تحت رمال الزمن. لقد كان أكثر بكثير من مجرد مظروف يجب فتحه؛ لقد كان بابًا إلى عوالم غير مستكشفة، ومفتاحًا لتحرير قيود الروتين، وإكسيرًا لتخفيف عذابات عدم اليقين.

لقد احتوت هذه الهدية الغامضة على قطع من الزمرد من الحكمة، وشذرات ذهبية من الاكتشافات الشخصية، وشظايا من الماس للحظات فريدة. كان من شأنه أن ينفخ نسيمًا جديدًا في أشرعة إدراكك المتعبة، ويكشف عن آفاق لا متناهية لم تجرؤ على تخيلها أبدًا.

كان مشبعًا بالوعد ومخاطا بالإمكانات، وكان من الممكن أن يكون حافزًا للتحول الداخلي، حافزًا قمت بدفعه جانبًا عمدًا. إن الكشف عما كان يمكن أن يكون يظل في الظل، وأنت تستمر في ظل اختيارك، مثقلًا بسلاسل الحذر المفرط.

وهكذا أحاول في هذا النثر الآسر أن أنسج خيوط التجريد، وأصف ما لا يوصف، وأكشف عن

اللا مرئي. يبقى الغموض، ويستقر الشيء، وأنت، حامل هذا المفتاح المرفوض، تجد نفسك تواجه واقعًا اخترت عدم استكشافه.

وربما يوما ما ستتغلب الرغبة في المجهول على الخوف، وستكتشف أن الثقة ليست ضعفا، بل باب مفتوح لكنوز غير متوقعة. آمل أن ما رفضته برعب سيجد يومًا ما طريقه إلى نور الفهم، وأن تكون مستعدًا للترحيب بسحر الاحتمالات.

لقد كان قلبًا نابضًا بالحياة والحب والرغبة! اليوم، يشعر بالعجز ويعاني من الاستشهاد: لم يجد نعمة في أعينكم، ويترك نفسه يموت ببطء، محمولاً إلى سماوات أخرى حيث ربما يمكن أن يزهر! نعم، ما زلت أعطيك هذه المتعة، أقول لك بابتسامة كبيرة، حتى لو انحدر إلى الجنون، منذ أن حولته إلى عجينة! لم يكن لديه سوى رغبة واحدة صغيرة، وهي إعطاء معنى لحياتك!

وفي متاهة المشاعر، ينبض هذا القلب بالخفقان على إيقاع الوجود، سيمفونية من المشاعر المنسوجة في خيوط الزمن. كان يحمل في داخله قوة الحياة، ودافع الحب، وشعلة الرغبة، وكان على استعداد لتقديم رقصة مسكرة لأي شخص يعرف كيف يدرك قيمته.

لكنه اليوم يجد نفسه عاجزًا، أسيرًا في قيود اللامبالاة، ويعاني من الاستشهاد. أصداء نبضه تتردد في الفراغ، تبحث يائسة عن صداها في صدى نظرتك. لقد طلب النعمة في عينيك، لكن يبدو أنه فشل في هذا المسعى، وهو الآن يتلاشى ببطء.

تحمله الرياح غير المرئية بعيدًا، ويسافر إلى سماوات أخرى، حيث ربما يمكن لنجوم الأمل أن ترشده نحو الولادة من جديد. وفي هذه الفضاءات السماوية يأمل أن يجد أرضًا خصبة ليزهر، بعيدًا عن الظلال التي تحجب جوهره.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الضيق، يسعدني أن أخبرك بابتسامة كبيرة. ابتسامة ممزوجة بالحزن، لكنها تحمل صدقاً يفوق عذابات القلب. لأنه حتى لو غرق في الجنون، وحتى لو تحول إلى عجينة بسبب التجارب، فإنه يحتفظ بالقوة لتوصيل هذه الرسالة إليك.

لم يكن لديه سوى رغبة صغيرة واحدة، متواضعة ونقية، وهي إعطاء معنى لحياتك. كان يحمل في خفقانه أحلاماً ذات معنى، ودفقات من السعادة تهدف إلى إضاءة الأيام المظلمة. لكن هذه التطلعات قوبلت باللامبالاة، وبوحشية الرفض، تاركة هذا القلب الآن منطفئًا.

وهكذا، في هذا النثر الآسر، أحاول أن أنسج خيوط التجريد، وأن أرسم بالكلمات تعقيد المشاعر. عسى أن توقظ فيك هذه القصة تفكيرًا في القلوب التي نلتقي بها، وفي الرغبات التي تنبض، وفي القوة التي نمتلكها لإعطاء معنى لهذه الحياة التي تتشابك مع حياتنا.

 

0 التعليقات: