الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، نوفمبر 14، 2023

نص سردي "إلى روح شاعر مفترض " عبده حقي


في عالم الظلال، حيث تتردد أصداء القصائد، يرقد شاعر مفترض كانت نظراته تجوب الكون ذات يوم، متعطشا للنور السماوي. روح غارقة في ألوان الخلود، تنتقل من الوعاء الأرضي إلى فضاء السماء المشع.

نم مطمئناً، فالليل يغلق جفونك، ويحتضنك في صمت الراحة الأبدية.

لك أيها الشاعر المفترض ، الراحل، الذي كان قلمه نشيدا في ظلمة الحياة اليومية، كل كلمة هي وميض لامع من الإلهام. نظرتك، بحث لا يشبع عن هذا النور الإلهي الذي يتراقص بين سطور السماء، باحثاً عن ترجمة ما لا يوصف إلى شعر. تنسج الاستعارات نفسها من حولك، مثل الشهاب المرسوم في سماء الوجود.

الكلمات التي زرعتها، مثل البذور الشعرية، نبتت في أذهان من ذاق لذتها. أنهار الشعر التي تتبعتها لا تزال تتدفق عبر تقلبات الأفكار، وتسقي حدائق الروح. تراثك، زهرة أبدية في حديقة اللغة، حيث تتفتح المقاطع بتلاتها في تربة الذاكرة الخصبة.

أثناء نومك، تمتزج ملامح كيانك الخالدة في اللانهاية، في اندماج متناغم مع جوهر النجوم ذاته. عيناك، بمجرد أن عبرهما الضوء الأرضي، تحولتا إلى شهب، تاركة وراءهما أثرًا من التألق الشعري الذي لا يزال يضيء الليالي المنعزلة لأولئك الذين يحتفلون بك.

الجسد الذي كان في يوم من الأيام وسيلة لعبقريتك يقبع الآن في غياهب النسيان، لكن إشعاع روحك يبقى، يهتز في الهواء مثل لحن أثيري. روعة السماء التي دعتك إلى نفسها، وجدت فيك رفيقا، شاعرا صعد إلى ما وراء آفاق الفناء ليرقص مع النجوم.

في الليل الذي يعانقك، كل نجم يختم مقطعًا من ملحمتك، وكل كوكبة صفحة من كتابك السماوي. استقبلك الأثير كقصيدة طويلة، نسج حضورك في سجاد الخلود الكوني. لم تعد الكلمات قادرة على التقاط صوتك، لكنه يتردد صداها في الأجواء، همسات شاعر اندمج جوهره مع الكون.

أنت أيها الشاعر الراحل، تنام الآن بين النجوم، وتنتشر روحك مثل المجرات إلى ما لا نهاية. وبينما يغشى الليل كيانك، لا تزال أصداء أشعارك تتردد في القلوب التي لامسها سحر أبياتك.

نم بسلام أيها الشاعر الخالد، فإن تراثك الشعري يفوق النوم الأبدي، وتعيش إلى الأبد في ضوء كل كلمة نقشتها في سماء النفس البشرية.

إليك أيها الشاعر الراحل، الذي تجولت عيناه ذات يوم، غيرها الضوء، أنسج هذه الكلمات مثل بتلات الكآبة، قربانا للغياب الذي لا يزال يتردد في صدى الأبيات التي تركتها خلفك.

العيون، نوافذ الروح، كانت لك متوهجة متعطشة للون الإلهي. لقد تجولتا، والتقطتا الفروق الدقيقة اللانهائية في العالم، من التافه إلى الجليل، ومن الأرضي إلى الأثيري. تبدلت، نعم، كمسافر عطشان يبحث عن حوض الإلهام الغامض، شربت من نبع المشاعر، شربت من نهر التجارب الإنسانية الهائجة.

كانت نظراتك فرشاة ترسم خطوطا بين الظلال والنور، بين الواقع الملموس والحلم بعيد المنال. مخطط خالد، يبقى أثر أفكارك محفورا في رخام الزمن، بصمة لا تمحى وتتجاوز حدود الجسد الزائلة.

من الجسد الحي إلى بهاء السماء، ارتفع كيانك كالقربان، وهو تحول حيث تغيرت المادة إلى طاقة نقية. حبرك، مثل الخيميائي، يحول التجارب إلى شعر، والأحزان إلى سوناتات، والأفراح إلى مقاطع شعرية، وعليه يخلق جسرًا بين الأرض والسماء.

نم بسلام في الليل الذي يغلق جفنك، لأنه حتى في ظلمة الراحة الأبدية، جوهرك باقي. الليل، هذا الرفيق الصامت، يصبح معزيًا لك، يهدئ عقلك الشارد في أحلام ما بعد الموت. الجفن، الستار الرقيق على مسرح الحياة، ينغلق بلطف، مفسحًا المجال للهدوء الأبدي.

غيابك كسوف، ثقب أسود في سماء الكلمات. أصبحت الصفحات الفارغة الآن مقابر ، وحقول الإمكانيات غير المستكشفة، تنتظر عبثًا اللمسة السحرية لقلمك الغائب. لكن حتى في الصمت، تهمس أبياتك، يتردد صداها في أروقة الذاكرة الجماعية، وتدعو البشر إلى التأمل في لغز الوجود.

وهكذا أضع هذا التأبين الوهمي تاجًا للأفكار المنسوجة، قربانًا لديمومة الشعراء الراحلين. أتمنى أن تكون رحلتك إلى ما وراء الآفاق شاعرية مثل المقاطع الشعرية التي ألفتها ذات يوم. ولعل عيونك الهائمة، في العالم الآخر، تجد ضوءًا جديدًا، لونًا أكثر إلهية، في سر الوجود اللامتناهي الذي يتجاوز الموت.

0 التعليقات: