الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أبريل 23، 2024

مكاشفات : (13) عبده حقي

240

السماء المرصعة بالنجوم، مرآة تعكس آمال وأحلام أولئك الذين يجرؤون على التطلع إلى الأعلى والتمني. كل نجم قصة، رحلة، حياة. كل وميض، وعد بالأمل، وشهادة على صمود الروح، وقوة القلب.

241

أقف تحت السماء المرصعة بالنجوم، وقلبي مثخن بالأماني، وروحي مدعومة بالأمل. النجوم، رفاقي، مرشدي، أصدقائي المقربين. في نورهم أجد الأمل، في بريقهم أجد القوة، في صمتهم أجد السلام.

242

وهكذا، تحت السماء المرصعة بالنجوم، أواصل ملاحقة أمنياتي، كل منها وميض ووعد بالأمل، ومنارة في الظلام، وتذكير بأنه حتى في الامتداد الشاسع للكون، فأنا لست وحدي.

243

تئن السيمفونية الحديدية، تهويدة صدئة لفصل الصيف الذي التهمته منذ زمن طويل. ضحك، صدى شبحي ملتصق بالإطار الهيكلي، خصلة من الذاكرة تتفكك مثل خيوط العنكبوت في سقف الزمن.

244

أضغط على الجلد البالي، والمقاومة هي صدى ملموس للماضي، والخطوات المترددة لطفل يتعلم الطيران. السلاسل، التي كانت مطلية ذات مرة باللون الأحمر المتحدي، تبكي كالصدأ مثل الدموع القرمزية، حدادًا على حقبة ماضية من الركب المخدوش وأمنيات الهندباء.

245

الريح، يد طيفية، تداعب وجهي، وتهمس بحكايات الأمسيات المنسية. تشتد حدة السيمفونية، وتنضم جوقة من الصراصير إلى الرثاء الصدئ. رائحة زهر العسل، المتخمة والحلوة، تزيد من كثافة الهواء، عطرًا مسكرًا من البراءة والنسيان. شجرة البلوط العقدية، الحارس الصامت، التي تتخبط أغصانها في سماء الشفق، تتذكر ثقل الهجر الخالي من الهموم، وبهجة تحدي الجاذبية.

246

أغمض عيني، ويذوب العالم في مشهد من الذكريات المجزأة. تتحول الأرجوحة إلى بندول إيقاع، حيث يعكس إيقاعه نبضات قلب الطفل المحمومة. السماء، لوحة قماشية مملوءة باللون الأرجواني والبرتقالي الناري، تنزف في هاوية الليل الغامقة. اليراعات، مثل النجوم الضالة التي سقطت على الأرض، تنسج رقصة سماوية حول أصابعي الممدودة.

247

ينفجر طعم البرقوق المحلّى على لساني، انفجارًا من الحلاوة المنسية. لم يعد الضحك صدى شبحيًا، بل سلسلة من الفرح غير المقيد، يملأ الهواء. فأنا عديم الوزن، بذرة ذات ريش تحملها الريح عاليا، وتحلق في سماء لا حدود لها. ينكمش العالم إلى حدود قوس الأرجوحة، وهو عالم مصغر من النعيم النقي المحض.

248

لكن السيمفونية تتعثر. نغمة متنافرة، سلسلة صدئة تئن احتجاجًا. يتلاشى الضحك، ويحل محله تنهيدة الريح الحزينة. تطفئ اليراعات لهيبها السماوي، تاركة وراءها فراغًا يعكس خواء صدري. أفتح عيني، والعالم يتحول إلى واقع قاس. الأرجوحة معلقة بلا حراك، نصب تذكاري هيكلي لزمن ضائع إلى الأبد.

249

رائحة زهر العسل، التي كانت حلوة في السابق، أصبحت متخمة الآن، معلقة ثقيلة في الهواء، كفن على البراءة الراحلة. تقف شجرة البلوط العقدية رواقية، شاهدة صامتة على مسيرة الزمن التي لا هوادة فيها. تئن السيمفونية الحديدية في بيتها الأخير، وهو رثاء حزين لطفولة ذهبت منذ فترة طويلة. أقف وحدي، غارقًا في بحر من الأحلام المنسية، وثقل الحاضر عبئًا ثقيلًا على روحي المنهكة. صرير الأرجوحة، وتنهيدة منفردة، تذكير مؤرق بالضحك الذي ملأ الهواء ذات يوم، لحن محفور إلى الأبد في قلب الذاكرة الصدئ.

250

في الحضن الأثيري لفجر ضبابي، تجولت، روحًا وحيدة تائهة وسط حجاب الغموض. كانت خيوط الضباب تلتف حولي، وتحجب العالم في ضباب من الغموض. ومع ذلك، وجدت داخل الكفن البراق وضوحًا غير متوقع، وهو وحي ولد من الضباب الدوامي.

251

كانت كل خطوة أخطوها بمثابة رحلة إلى المجهول، وكانت حواسي مغلفة بهمسات الضباب الغامضة. بدا أن الزمن قد فقد قبضته عليّ، كما لو كنت قد انزلقت إلى عالم لم تمسه قيود الواقع. في هذا الفضاء الحدي، حيث كانت الحدود غير واضحة وتراقصت التصورات بألوان مختلفة، اكتشفت إحساسًا عميقًا بالتحرر.

252

أثناء اجتياز المشهد الضبابي، انجرفت أجزاء من الذاكرة عبر وعيي مثل ظهورات شبحية. كانت الصور تومض وتتلاشى، سريعة الزوال مثل ضباب الصباح، ولكنها مشبعة بجمال مؤلم. كانوا يتهامسون بأسرار عوالم منسية، وأحلام نصف متذكرة، ورغبات مكبوتة منذ زمن طويل.

253

وبعد ذلك، وسط الفوضى الدوامة في ذهني، ظهرت منارة من الوضوح، تخترق حجاب عدم اليقين مثل شعاع ضوء الشمس عبر السحب العاصفة. وكأن الضباب نفسه قد انفرج ليكشف عن طريق أضاءته يد غير مرئية، ترشدني إلى وجهة مجهولة.

254

مع مرور كل لحظة، بدأ الضباب يتبدد، ويتلاشى محلاقه الزائل في الأثير مثل خصلات من الدخان. وكما رفع الحجاب، كذلك الحجاب الذي غطى إدراكي، وتركني واقفاً وسط وضوح الفجر الجديد.

255

في لحظة الوحي تلك، فهمت أن الضباب كان بمثابة سجني وخلاصي، حيث حجب الحقيقة لكنه قادني نحو التنوير. لأنه في خضم عدم اليقين نجد الشجاعة للبحث عن النور، واحتضان المجهول والخروج.

256

وهكذا، مع الوضوح الجديد الذي يسري في عروقي، شرعت في المرحلة التالية من رحلتي، ولم أعد خائفًا من الظلال الكامنة داخل الضباب. لأنني تعلمت أنه حتى في أحلك الأوقات، هناك دائمًا بصيص من الأمل، شرارة من الإضاءة تنتظر اكتشافها وسط الصباح الضبابي.

257

في عالم الأثير، وجدت نفسي متشابكًا مع جوهر الوجود. لقد كانت لمسة لطيفة، وهمسًا للكون. شافية للجروح، ومصلحة للروح، وكانت لمستها بلسمًا للندبات المحفورة في أعماق قماش كياني.

258

لقد نحت الزمن، النحات الذي لا يلين، هذه العلامات، هذه الذكريات بالمعارك التي خاضها وخسرها. ومع ذلك، بدأت، بلمستها الناعمة كندى الصباح، في محو هذه الخطوط، وأخاديد الزمن هذه. الجروح التي عجز الزمن عن شفاءها، الندوب التي أصبحت جزءًا مني، بدأت تتلاشى تحت رعايتها الحنونة.

259

لم تكن لمستها من هذا العالم، بل كانت لحناً من نجم بعيد، تهويدة من الكون نفسه. لقد كانت سيمفونية شفاء، وأغنية تجديد. كل نغمة، كل اهتزاز كان بمثابة غرزة في نسيج كياني، تُصلح الدموع، وتملس التجاعيد.

260

وبينما تراقصت أصابعها على سطح روحي، بدأت الندوب تتلاشى. لم يختفوا، بل تحولوا، وأصبحوا أقل تذكيرًا مؤلمًا وأكثر شهادة على البقاء. ولم تعد جروحاً، بل كانت أوسمة شرف، ورموزاً للصمود.

261

بدأ الألم والأذى والذكريات المرتبطة بكل ندبة في التلاشي، وحل محلها شعور بالسلام، وطمأنينة لم أعرفها من قبل. كان الأمر كما لو أنها لم تكن تشفي جراحي فحسب، بل روحي وجوهري أيضًا.

تابع


0 التعليقات: