في الهواء الكستنائي في الغرفة الخالدة، حيث يلف الصمت مثل الكتان، ثقيلا وساكنا، تجلس امرأة، وعيناها محاطتان بستار زجاجي، وبيدها كوب، وفي الكوب بومة، بريش الفكر ومخالب الأحلام القديمة.
الجو كثيف
بهمسات المدن المنسية، عن الكلمات اللامنطوقة، المحصورة بين
الصفحات، عن الكتب التي غطاها الغبار منذ فترة طويلة، وتركت لتنام في العنبر، ومع ذلك، تتحرك هنا، تحت نظرتها
الثابتة،
حيث يلتقي
الدنيوي بالرائع، وحيث يتلامس الشاي والمخالب، لكنهما لا يحترقان
أبدًا.
عوالم تحوم،
صغيرة في قامتها، واسعة في فكرها، تدور حول محاور غير مرئية، تدور حول هدوئها،
كرة أرضية صغيرة
جدًا، لكنها بلا حدود في وزنها، تنجرف فوق سطح مشروبها، وفي تلك الانجرافة، رقصة الأرض
والسماء، من الزمن الذي يتكشف ويلتف حول يدها.
قبعتها، تاج من
القش والحكمة، مزينة بالهمسات، تحملها الريح، تجلس ساكنة مثل التماثيل في الحديقة، ولكن في الداخل، تختمر عاصفة، غير
مرئية، غير مدوية.
البومة،
رفيقتها، تحدق بعينين واسعتين، تعكس عوالم غير مرئية، غير معروفة، غير
محكية.
الغرفة، قبو من
الضوء وألعاب الظل، مثخنة بالكتب التي لم تكن موجودة قط، والأفكار التي لم تعرف كلماتها قط، ولكن في حضورها، تبدأ في التفتح، مثل الزهور في حديقة العقل، تتغذى على ضوء عينيها التي لا ترمشان.
الكرة الأرضية،
تدور، في أغنية صامتة، لحن لا تسمعه إلا العرافة ، كما يبرد الشاي، وينسى في الانجراف، وتصطدم البوم والعوالم في رقصة مهيبة. تشرب، ولكنها لا تشرب، لأنها تستهلك، الأفكار التي تطفو مثل الريش في الغسق.
في كل رشفة،
ينهار عالم، في كل نظرة، تبدأ حكاية في الدوران، وهي، النسّاجة، بنولها الصامت،
تصنع نسيجًا من
الأحلام ولحظات اليقظة، من البوم والكرات الأرضية، والشاي الذي
له طعم النجوم،
من الحكمة
القديمة التي تُخمر في أكواب الحاضر.
تتحدث البومة،
رغم أن الكلمات لا تتشكل أبدًا، تحكي عن الليالي حيث تتكون الأقمار من
اللؤلؤ،
عن السماوات حيث
تُقطف النجوم مثل الفاكهة الناضجة، ومحيطات عميقة حيث يتقارب الزمان
والمكان.
تتحدث عن الصمت،
حيث تكون الأفكار الأعلى صوتًا، هي تلك التي لم تُقال، ولكنها مسموعة
داخل القلب.
نظاراتها،
بوابات إلى عالم آخر، تكسر الضوء، وتثني خطوط الفكر، تحول الكرة الأرضية إلى كون،
موجود داخل
منحنى فنجان شاي لطيف.
وفي هذا
المنحنى، ترى السماء التي لا نهاية لها، والنجوم التي تتلألأ في عين البومة
الثاقبة.
تستمع، على
الرغم من أن الغرفة خالية من الصوت، لأن الأصوات في الهدوء تغني حقائقها،
بلغات ضاعت منذ
زمن بعيد في العقول اليقظة، ولكنها وجدت مرة أخرى في أماكن مثل
هذه، حيث تتشابك البوم والكرة الأرضية وفناجين الشاي، وتذوب الكلمات في الهواء مثل الضباب.
تمر لحظة، أو
ربما عمر، لا يمكنها أن تخبر، لأن الوقت ليس سوى خيط، محبوك في الحاضر،
وهنا، الحاضر هو
كل ما كان. تدور الكرة الأرضية، وقاراتها الصغيرة، مجرد أصداء لسعة العقل.
تميل رأسها،
والقبعة تاج من القش اللطيف، بينما تطير الأفكار مثل الطيور على
النسيم، وفي أعقابها، الصمت مرة أخرى، ولكن ليس صمت غرفة فارغة، بل صمت الفكرة اللاحقة، التوقف الذي يتبع أنفاس الحكمة الهادئة.
تومض عين البومة،
وبهذا يولد العالم من جديد بين يديها، تحتسي مرة أخرى، والشاي تذكير بارد، بأن الوقت، على الرغم من كونه سائلاً،
لا يزال يجب أن ينتهي.
وهكذا تجلس،
داخل هذا العالم المرسوم، ملكة الأفكار، سيدة الليل.
الغرفة، التي
تتلاشى الآن في ظلال الشفق، تصبح مشهدًا حلميًا، حيث ينحني الواقع، وهي، الحالمة، تحمل في يدها، مفتاح كل العوالم التي كانت موجودة على
الإطلاق.
تهز البومة
رأسها، وعيناها الآن ناعمة بمعرفة، لأنها رأت النهاية، وهي لطيفة.
تقف، والكوب لا
يزال دافئًا في راحة يدها، وتضعه، البومة حارسة هادئة، تتحرك برشاقة، على الرغم من أن لا أحد
قد يراها تغادر، لأنها في هذا المكان، هي، ولم تعد كذلك.
الكرة الأرضية
ساكنة، والهواء مملوء بالأصداء، من الأفكار والأحلام والكلمات التي
يتمتم بها الناس ولم يتم قولها.
الغرفة فارغة
الآن، باستثناء البومة، عيناها الذهبيتان تعكسان الضوء الخافت، الفنجان ثابت، والشاي لم يُمس، الآن
بارد، الكرة الأرضية شاهد صامت على كل ذلك.
وفي الهدوء،
تبقى ذكرى، لامرأة حكيمة، شربت من النجوم القديمة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق