الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، سبتمبر 15، 2025

هذي يدي ممدودة .. مدي يدك : عبده حقي


أيها الأشقاء أكتب إليكم هذه الكلمات مثلما يكتب العاشق إلى من صدّ وأعرض. أكتب بضمير كاتب مغربي واع ومثقل بالحنين، لا بلسان السياسة وحدها، بل بلسان القلب الذي يعرف أن بين المغرب والشقيقة الجزائر رباطًا أعمق من كل الجدران والمتاريس والحدود، وأرسخ من كل الخلافات.

أيها الأشقاء القابضون على زمام السلطة في قصر المرادية، ما أعظم أن أوجّه إليكم هذه الرسالة المليئة بالعتاب واللوم المر، وما أصعب أن أحمّلكم وزر قطيعة لم نخترها نحن الكتّاب ولا الشعراء ولا الفلاحون ولا التلاميذ الذين يحلمون بقطارٍ المغرب الكبير يصل بين الرباط والجزائر العاصمة في ساعات قليلة. لقد صنعتم من الحدود أسوارًا من الغربة، وغيّبتم حقيقة راسخة أن دمنا واحد، ولغتنا واحدة، وماضينا واحد، وأننا نلتقي في صلاة واحدة ونتنفس من رئة تاريخٍ واحد.

إنكم تعلمون كما نعلم أن المغرب لم يسترجع صحراءه تهورا ولا طمعًا، بل لأنها كانت وستبقى قطعة من روحه، جزء من كيانه، امتدادا لذاكرة تاريخه العريق.

حين خرجت مسيرتنا الخضراء في عام 1975، لم تكن سوى عودة الابن إلى حضن أمه الرؤوم، ولم تكن سوى خطوة سلمية تشهد على أن تلك الأرض قد عادت لأهلها بلا رصاصة ولا دماء. لكنكم، بدل أن تشاطرونا فرحة العودة، جعلتم من هذه اللحظة التاريخية ذريعة لحقدٍ طويل ومزمن، وعذرًا لبناء جدار من الكره والعداوة.

لقد أهدرتم نصف قرن في محاولة إطفاء شعلةٍ لن تُطفأ بالحقد، في تشتيت الأسر وتغذية خطاب الكراهية، وكأنكم أردتم أن تُحوّلوا رمال الصحراء إلى صحراء أخرى بين قلوبنا. أما كان الأجدر بكم أن تجعلوا من هذا الحدث مناسبة لانطلاقة جديدة، لصفحة بيضاء تُكتب فيها سطور الأخوة بدل فواصل الفرقة؟

كم يوجعني اليوم أن أكتب أن بلادي المغرب، بسببكم، أنفق نصف قرن من زمنه الثمين وجهده وموارده في مقاومة طيشكم السياسي بدل أن يصرفها على التنمية المشتركة والرخاء والتعاون المتبادل. نصف قرن ضاع منا، كان يمكن أن يكون فرصة للوحدة، للسوق المغاربية التي تُغني فلاّحينا، للجامعات المشتركة التي تُعلّم أبناءنا، للطرق السيارة والقطارات التي تختصر المسافات بين وجدة وتلمسان، وبين مراكش وقسنطينة.

إن ما ارتكبتموه من فظاعة ليس خلافًا سياسيًا فحسب، بل هو اعتداء على إنسانية الإنسان، على حقه الطبيعي في لقاء ذويه، وعلى حق الشعوب في أن تتواصل، أن تحب، أن تتصاهر، أن تبني مستقبلًا لا يعرف الكراهية.

ومع ذلك، لم يغلق المغرب حدوده أبدًا. فقد ظلّت يدنا ممدودة كغصن زيتون، من عهد الحسن الثاني إلى عهد محمد السادس. تكررت دعواتنا في كل الخطب والمناسبات للحوار والمصالحة، ووقفنا مرارًا لنعلن أن الأبواب لن تُغلق في وجه شعار"خاوة خاوة" مهما اشتدت العاصفة. لكن يدنا، في كل مرة، كانت تصطدم ببرود ضميركم، لكن لا حياة لمن تنادي.

إن التاريخ العربي لن يسامحكم ويرحمكم . والذاكرة الشعبية لن تنسى. وإن غفرنا نحن لأخطائكم، فلن تغفر لكم الأجيال القادمة هذا الهدر الفادح في الزمن والفرص والأحلام.

إن رسالتي هاته هي نداء شجاع إلى شجاعة القرار. الشجاعة الحقيقية ليست في شعارات العداء، ولا في سباقات التسلح، بل في كلمة "كفى". كفى من هذا التيه والضلال السياسي. كفى من تشتيت الأسر ووأد الأحلام.

أيها الأشقاء في قصر المرادية، إنني أوقّع هذه الرسالة المعمّدة بمداد العتاب وحرقة الأخوّة، أعلن أن صوتي ليس فردًا يتحدث من عزلة، بل هو صدى لكل المثقفين المغاربة الذين يرون أن دور القلم لا يقتصر على الأدب والجماليات فحسب، بل يمتد إلى الوعي بالمسؤولية التاريخية . أقول للسلطات الجزائرية إن ما نكتبه ليس نابعا من مشاعر الخصومة، بل دعوة صريحة وواضحة إلى كسر جدار الصمت وإعادة الأمل إلى شعبينا.

إننا نؤكد، باسم ضميرنا الجماعي، أن المغرب سيظل يمد يده بروحٍ أخوية صادقة، وأننا ننتظر منكم أن تقابلوا اليد الكريمة بيد أكرم منها. كما نذكّركم أن القطيعة لا تصنع هوية، وأن العداء لا يبني أوطانًا، وأن الذين يحكمون ضد شرعية التاريخ سيجدون أنفسهم يومًا مدانين أمامه.

0 التعليقات: