الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الخميس، نوفمبر 06، 2025

قراءة في كتاب نيك مونتفورت الشَّعرية الحاسوبية : ترجمة عبده حقي

 


مقدّمة : 
نيك مونتفورت، شاعر وباحث في المجال الرقمي وعلم الحوسبة، يُعد من الرائدين في ما يُسمّى «الأدب الإلكتروني» و«الشعر الحاسوبي». 

يطرح في أعماله تساؤلات عميقة حول العلاقة بين الشفرة (code) واللغة، بين الجماليات التقليدية للشعر، وبين الفعل البرمجي الحاسوبي.
في “الشعرية الحاسوبية” يمكن القول إنه يستقصي كيف يتحول فعل التأليف الشعري إلى فعل حسابي، أو كيف يمكن للآلة أن تشارك في إنتاج الشعر، أو على الأقل كيف تكشف آليات الحوسبة عن أبعاد جديدة في إنتاج الشعر واللغة.

محاور العمل ونقاطه الرئيسة

  1. اللغة والشفرة كوسيطين شعريين
    مونتفورت يرى أن الشفرة البرمجية لا تُعد مجرد وسيلة تقنية، بل بمثابة وسيط شعري في حدّ ذاتها. في أحد مقالاته يقول إنه لا يعمل “مع اللغة فقط” بل “يعمل مع الحوسبة” كوسيط فني. T
    هذا التحول يجعل القارئ/المُستخدم ليس فقط متلقّياً للقصيدة، بل مشاركاً في فعل التشغيل (run) أو التفاعل مع الشيفرة، ما يغير موقعه من «متلقي» إلى «فاعل».

  2. التكرار، العشوائية، والبنى التوليدية
    أحد السمات البارزة في هذا النوع من الشعر هو توليد النتائج – فأحياناً تشغيل البرنامج ينتج نتائج مختلفة. في عمله #! مثلاً، يتضمّن برامج بلغة Python أو Perl تنتج نتائج شعرية. 
    هذا مفتاح في “الشعرية الحاسوبية” لدى مونتفورت: ما بين ما هو محدّد (الشفرة) وما هو مفتوح (الناتج، التفاعل، العشوائية) يتشكل البعد الشعري.

  3. المنصّة والوسط الحاسوبي
    لا يكفي أن يكون هناك برنامج يصنع نصاً؛ بل المنصة الحاسوبية – من نوع الحاسوب، لغة البرمجة، الواجهة، التفاعل – كلها لها وزن شعري. مونتفورت في مقاله «A Platform Poetics …» يتحدّث عن كيف أن العمل مع منصة مثل Apple II أو Commodore 64 يُشكّل بعداً شكلياً وفكرياً. 
    إذ إنّ الوسط التقني ليس مجرد خلفية، بل جزء من ما يصنع الجمال والتجربة.

  4. الإنتاج النقدي–الشاعري
    بجانب الإنتاج الشعري أو البرمجي، مونتفورت يقدم أيضاً تأمّلًا نقديّاً حول ما تفعله الحوسبة باللغة أو بالأدب. مثلاً في حوار له يقول إن “الأدب الإلكتروني” هو ملتقى بين “الشعري” و”الحاسوبي”. 
    هذا البُعد يجعل “الشعرية الحاسوبية” ليست مجرد تجريب تقني، بل موقفاً فكريّاً من اللغة والتأليف والإنتاج.

التقييم والنقد

الإيجابيات

  • فتح آفاقاً جديدة للشعر، من خلال جعل الشيفرة والآلة جزءاً نشطاً في التجربة الشعريّة، ما يُساعد على تأكيد موقعك – أنت ككاتب أو قارئ – في شبكة من عمليات وتقنيات، لا نصّ ثابت ومجرَّد.

  • جلب اهتماماً إلى الوسط التقني والتاريخ التقني بوصفه معياراً شكلياً وليس فقط وظيفياً، ما يجعله ذا علاقة مباشرة بوعي الكاتب الرقمي والبيئة التقنية.

  • الجمع بين الإنتاج العملي (برامج وشعر وتفاعلات) وبين النقد النظري، مما يمنح العمل عمقاً فكرياً إلى جانب التجريب الفني.

الملاحظات أو التحديات

  • قد يجد القارئ العادي (لا يمتلك خلفية تقنية أو برمجية) صعوبة في متابعة النصوص أو المفاهيم، خصوصاً إذا لم يُشغّل البرامج أو يتفاعل مع الشيفرة. هذا يضع “الشعرية الحاسوبية” في خانة التجريب جداً، وربّما غير ميسّرة للكثيرين.

  • هناك خطر أن تتحول التجربة إلى تمرين في “اختراع التقنية” أكثر من “اختراع الشعر”، أي أن التركيز على الحوسبة يطغى على البُعد الشعري أو الإنساني. البعض قد يرى أن العمل يصبح أكثر تقنية منه “أدباً”.

  • من الناحية النقدية، يمكن التساؤل: ما مدى تأثير هذه الشعرية الحاسوبية على القارئ، أو ما مدى انتشارها في الحقل الشعري التقليدي؟ هل تُحدث تحوّلاً فعلياً في معرفة الشعر أو اللغة أو تبقى تجريباً محدوداً ضمن حقل “الأدب الإلكتروني”؟

أُفق التطبيق في السياق العربي والمغربي

بالنظر إلى اهتمامك – ككاتب مهتم بالأدب، والتحويل، والتجريب – يمكن القول إن العمل بمفهوم “الشعرية الحاسوبية” يفتح لديك إمكانيات مثيرة:

  • أن تستعمل فكرة الشيفرة أو الحوسبة كجزء من التجربة السردية أو الشعرية، حتى في العربية أو الدارجة، بحيث يُصبح النصّ “آليّاً” أو “حاسوبيّاً” أو “مزدوج الوسيط”.

  • أن تفكر في البيئة الرقمية – الهاتف، الإنترنت، البرمجيات – ليس كخلفية بل كجزء من الشكل الشعري أو السردي: كيف يُولد النصّ؟ كيف يُعاد إنتاجه؟ ما هي وسائطه؟ من هو القارئ/المستخدم؟

  • أن تتسائل أيضاً عن موقع اللغة العربية أو الدارجة ضمن هذا الصراع: هل يمكن برمجة شعر أو سرد حاسوبيّ بالعربية أو الدارجة المغربية؟ ما التحديات التقنية (الاتجاه من اليمين إلى اليسار، الخطوط، الترميز)، وما الأبعاد الجمالية؟

  • أن تستفيد من النقد الذي يقدّمه مونتفورت لتضع عملك في سياق عالمي، لكن مع بُعد محلي/مغربي: ما معنى “الشعرية الحاسوبية” في المغرب؟ ما الأجوبة المناسبة للسياق المغربي أو العربي؟

خاتمة

باختصار، كتاب “الشعرية الحاسوبية” لنيك مونتفورت (أو العمل الفكري المتعلّق بهذا العنوان) يشكّل محطة مهمة في تقاطع الأدب والتقنية، يؤكّد أن الشفرة، المنصة، التوليد، العشوائية، التفاعل – كلّها عناصر تصبح في سياق شعريّة فعل تأليف.
من جهة، هو تحدٍ وتجربة، ومن جهة أخرى هو نقد وإعادة صياغة لموقع الشاعر والنصّ في عصر الحوسبة.


0 التعليقات: