الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، ديسمبر 05، 2020

المرأة في الكتابة الرقمية : جدلية الحضور والغياب – عبده حقي

مقدمة

يبدو أنه من الضروري قبل استكشاف واقع الكتابة الرقمية النسائية أن نطرح سؤالا محوريا وسوسيوثقافيا حول علاقة المرأة / الكاتبة بمستجدات الرقمية والتكنولوجيا والحوسبة المساعدة على إنتاج هذه الكتابة المتعددة التجليات وتقاسمها مع القراء عبر مختلف حوامل

ومنصات القراءة من بريد المايل إلى المجلات الأدبية الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات ..إلخ

هذه المقدمة من دون شك ستستدرجنا إلى العودة إلى بعض الاختلافات المتباينة بين النساء والرجال في استخدام مهارات الرقمية والبرمجة والمعلوماتية واستعمالات الكمبيوتر وهذا يعتبر بلا شك جزءًا من نقاش أوسع حول التمايزات (المزعومة) بين الجنسين على مستوى البيولوجي أو النفسي أو السوسيوثقافي. ويعد موضوع الاختلاف هذا بين الجنسين أحد أهم المواضيع التي تهتم بنظرية النوع الاجتماعي .

إن التفاوت المزعوم بين الجنسين في الممارسات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات ليس أمرا قدريا ، جينيا أو بيولوجيا فرضته الطبيعة على المرأة إذ أن عديدا من النساء في جميع المجتمعات والبيئات الثقافية قد أظهرن كفاءاتهن العالية والمتفوقة على الرجال ففي الهند مثلا حققت نسبة الإناث العالمات في الكمبيوتر أعلى بكثير مقارنة بالدول الغربية (2) . في عام 2015 كان أكثر من نصف رواد الإنترنت في الصين من النساء. وفي بعض الدول الأوروبية سجلت أعلى معدلات برمجة الكمبيوتر من النساء على المستوى العربي في المملكة العربية السعودية البلد العربي ذي الخصوصية الدينية المحافظة شكلت النساء 59٪ من الطلاب المسجلين في علوم الكمبيوتر سنة 2014 (3). وهناك عديد من الأمثلة التي تفند تلك المزاعم حول التفاوت الذكوري في عالم التكنولوجية وممارسة الحوسبة والإبداع الرقمي .

في مجالات النقد والدراسات الأدبية الرقمية

هل تنسحب إذن هذه الصورة الوردية المتفائلة على حضور المرأة في عالم الكتابة الأدبية الرقمية وما هو حجم التراكم الذي حققته النساء المغربيات والعربيات بشكل عام على مدى العقدين المنصرمين من ظهور الويب في جيله الثاني 0.2 ودوره الحاسم في التحفيز على الإبداع والنشر الرقميين بما يتيحه من مساواة بين الجنسين في الحق في التعبير بمختلف أشكاله وأجناسه الفنية والأدبية وما تتيحه أيضا خوارزمياته من آليات رقمية وتطبيقات لصناعة المادة الأدبية رقميا ونشرها في مواقع إلكترونية أو منصات التواصل الاجتماعي والمنتديات في أشكال تختلف في تصميم المتن بين هذا وذاك .

إن حضور صوت النساء في الكتابة الرقمية يتباين بشكل واضح في اهتماماتهن الأدبية بين النقد والشعر والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا . وكل جنس من هذه الأجناس قد حظي بقدر من التراكم انطلاقا من مرجعيات ودوافع تأهيلية ومعرفية وأدبية وسيكولوجية وثقافية بشكل عام .

فعلى مستوى النقد الأدبي الرقمي حققت المرأة العربية حضورا محتشما مقارنة مع التراكم النوعي والكمي الذي حققه عديد من النقاد الذكور منذ أواسط العشرية الأولى من هذا القرن وخصوصا منذ إنشاء موقع "دروب" عام 2005 الذي كان يشرف على إدارته الأديب التونسي كمال العيادي والذي تم إغلاقه منذ سنوات قليلة بعد الهجوم عليه من طرف جماعة إرهابية متطرفة تونسية وكذلك منذ تأسيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب في نفس العام وإنشاء موقعه الإلكتروني ومنتدياته التي عرفت دينامية أدبية ونقدية كانت تنشطها تعليقات الزوار القراء وانضمام ثلة من الكاتبات فيما بعد إليه . غير أن هذا الانضمام لم يحفزهن على إنتاج نص أدبي رقمي يشتمل على الأقل على روابط تشعبية بل هو في الأصل نص تمت معالجته بواسطة برنامج وورد ثم تم نشره على موقع أو منتديات الاتحاد عن طريق أذاتي نسخ/لصق.

لقد كان لانفتاح الدراسات والبحوث الجامعية على الأدب الرقمي دور هام جدا في اقتحام المرأة / الباحثة مجال النقد الأدبي الرقمي كما شكلت إنجازاتها الجامعية الأرضية العامة التي ساعدت كثيرا منهن على تحرير مقالات ودراسات ومتابعات نقدية أسهمت كثيرا في تعاظم حضور المرأة النقدي في المشهد الثقافي العربي بشكل عام .   

هكذا وبإشراف بعض رواد البحوث في الأدب الرقمي العربي كالدكتور سعيد يقطين والدكتور محمد سناجلة والدكتور محمد أسليم تم إنجاز عديد من البحوث الجامعية حول مختلف بنيات وقضايا هذا الجنس الأدبي الجديد نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر من المغرب الكبير رسالة ماجستير للباحثة ناديا أعموم بإشراف الدكتور سعيد يقطين (1) والباحثة زكية مهنه التي حصلت على شهادة الدكتوراه عن رسالتها الأدب الرقمي والتفاعلات التواصلية - رواية "شات" نموذجا" وسرور زيتوني التي حصلت بدورها على رسالة ماجستير في موضوع  "الخصائص الفنية في الرواية الرقمية- شات وظلال العاشق نموذجا والباحثة خديجة باللودمو التي أنجزت بحثا لنيل دكتوراه علوم في مجال الأدب الرقمي تحت عنوان "الأدب الرقمي الموجه للأطفال- دراسة في المنجز النقدي" والباحثة سمية معمري التي حصلت على دكتوراه عن بحثها الموسوم ب" الأدب الرقمي بين المفهوم و التأسـيس مقاربة في تقنيات السرد الرقمي " بإشراف الدكتورة الخامسة علاوي تقول سمية معمري في مقدمة بحثها " لا شك أن الكتابة الرقمية هي كتابة مختلفة عن نظيرتها الورقية فهي تنعكس على جوانب الحياة في العصر الحديث ، تسعى بتحريكها للكلام من العالم السمعي الشفاهي إلى عالم حسي جديد هو عالم الرؤية، إلى إحداث تحول في الكلام والفكر معا، ولعل سبب كل هذا هو العولمة، بما هي نظام عالمي جديد يقوم على الإبداع العلمي والتقني وثورة الاتصالات بحيث تزول الحدود بين الأمم والشعوب والدول ويمسي العالم وكأنه قرية واحدة . وقد انعكس هذا على النص الأدبي؛ حيث أفاد من التقنيات الحاسوبية، التي جعلته يرتحل إلى عالم افتراضي يبرم فيه فن الرسم بالكلمات وثيقة تحالف بينه وبين التكنولوجيا. وكان نتاج هذا التحالف مولودا جديدا أطلق عليه (الأدب الرقمي)، وهو الأدب الذي يعمد فيه إلى توظيف وسائط مختلفة وروابط رقمية تربط بين مختلف أجزاء ومكونات نصوصه، التي تظل منفتحة على فنون الأنيميشن والجرافيك والصورة والحركة والصوت والموسيقى والإخراج السينمائي والبرمجة.

وكل هذا يجعلنا نذعن إلى القول بأنه النموذج الأدبي المعبر عن العصر الرقمي التكنولوجي خير تعبير، بل هو نتاج هذا العصر وثمرة فكر مبدعيه، أجل هو النموذج الفكري الجديد الذي تلتقي فيه العلوم التكنولوجية بالإنسانيات."

ومن المشرق العربي يكفي أن نذكر الباحثة السورية هاديا كلش التي حصلت على الماجستير في الأدب العربي عن رسالتها: التشكيلُ الرقمي التفاعلي واللغوي وبنية التعبيرِ عن العنفِ "ظلالُ العاشق" أنموذجاً. ومن المملكة العربية السعودية الباحثة تغريد بنت أحمد محمد كريري التي حصلت على رسالة الماجستير عن بحثها الموسوم بـ "تلقي الأدب التفاعلي في النقد العربي المعاصر" بإشراف أ.د عبدالحميد الحسامي .

هذا على مستوى البحوث الجامعية أما على مستوى الدراسات والمتابعات النقدية في المواقع الإلكترونية والمجلات والجرائد الورقية فقد بصمت المرأة العربية حضورا لافتا مقارنة مع الأقلام الذكورية على قلتها التي تهتم بالأدب الرقمي كتابة ونقدا وإبداعا .

فمن بين الكاتبات الوازنات في هذا المجال لا يختلف اثنان في ريادة الكاتبة المغربية الدكتورة زهور كرام بما أنجزته من تراكم كمي ونوعي حول مختلف قضايا وإشكالات الأدب وتشابكه مع الرقمية والوسائط الجديدة وحضوره في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواضيع التي استحدثها انخراط الأدب وتفاعله مع المستجدات التكنولوجية. ولعل من أبرز إصدارات الدكتورة زهور كرام " الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية" الذي قدم له الدكتور سعيد يقطين ومما جاء في هذا التقديم " يدور الكتاب حول قطبين كبيرين. يطرح أولهما قضايا وإشكالات الإبداع الرقمي في الكتابات والأدبيات الأجنبية بقصد الوقوف على المنجزات النظرية لدى النقاد والباحثين وحتى المبدعين، في فرنسا وأمريكا وغيرهما ممن اهتم بخصوصيات هذا الإبداع الجديد، وما يطرحه من أسئلة عميقة وجديدة عن طبيعة هذا الإبداع وتقنياتها، وأنواعه ومقتضيات تلقيه والتفاعل معه فيما اهتم القسم الثاني بتحليل بعض أعمال محمد سناجلة الكاتب الرقمي الأردني الذي يعتبر رائدا في هذا المجال بإقدامه على خوض غمار التجربة الرقمية مبكرا مقدما بذلك نماذج طليعية ومتميزة'.

هذا فضلا عن عشرات المقالات التي أنجزتها زهور كرام وتقاسمتها مع القراء في عديد من المجلات والجرائد والصحف اشتغلت أساسا على علاقة الأدب بالرقمية والتكنولوجيا نذكر من بينها "الإنسان والكومبيوتر والعلاقة التكاملية" و"المسودة من الورقي إلى الرقمي" و" في الحاجة إلى سوسيولوجيا التكنولوجيا" و" التكنولوجيا وحقوق الإنسان" و"المنطق الترابطي في "مجاز العشق" للروائي نبيل سليمان" و"الافتراضي وأسئلة العلاقة مع الواقع" و"الوسائط التكنولوجية والديموقراطية الجديدة" والأدب الرقمي والانزياح المضاعف" ..إلخ

ومن بين الأصوات النسائية أيضا اللائي بصمن حضورهن في مجال الكتابة النسائية الرقمية الدكتورة لبيبة خمار التي تشتغل ضمن مشروع رائد على مستوى العالم العربي دشنته بإصدارها لكتاب " شعرية النص التفاعلي، آليات السرد وسحر القراءة " الذي هو في الأصل أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، وهي أول دكتوراه تنجز في العالم العربي حول الأدب الرقمي ثم آخته فيما بعد بإصدار ثاني موسوما ب " النص المترابط: فن الكتابة الرقمية وآفاق التلقي"

تقول الدكتور لبيبة الخمار عن إصدارها الأول في حوار نشر في موقع مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة بتاريخ 26 أغسطس 2018 "أول كتاب انكب على تحليل الرواية الرقمية، فقد اقترح علي الأستاذ الدكتور سعيد يقطين في أواخر التسعينيات الاشتغال حول النص المترابط، لا أخفيك اعترتني رهبة غريبة متولدة من جدة المصطلح وضبابيته، فلم يسبق لي من قبل أن سمعت بهذا الوافد الجديد، ولا قرأت عنه، ولا علم لي بخصوصياته وهويته وكلما سألت وبحث إلا وجدت نوعا من الفراغ النقدي يوازيه شح إبداعي، فراق لي تحدي تحديد الغامض، والإمساك بالمنسرب. ومغامرة التحليل في ظل غياب الوجهة فقد كنا ساعتها لا نعرف حتى معنى النص المترابط أو الأدب الرقمي فما بالك بتحليل نص منه! فجسد الكتاب بالفعل ذاك الحضور الذي انبجس من قلب الغياب، وقضت مضجعي بعد ارتمائي في يم المغامرة أسئلة اصطلاحية ومنهجية، وسردية جمالية شتى من قبيل: ما هي العلاقة التي ينسجها الأدب الرقمي مع  الأدب الورقي، أو التي ينسجها النص مع النص المترابط؟ هل هي علاقة يطبعها الاستمرار، أم الانقطاع؟ وهل تشكل الرواية الرقمية ـــــ وهي مجال الاشتغال ـــ قطيعة إبداعية مع الرواية الورقية على مستوى البناء، و طرق المعالجة والتناول؟ وما هي الأشكال المتولدة عن تغيير الوسيط من إبدال ورقي إلى آخر رقمي؟ ثم كيف تتم ترجمة مصطلح الهايبيرتيكست "hypertexte" والأشكال التي خرجت من معطفه؟ وكيف يتم تحديدها أجناسيا، وتحليلها؟  لقد كان الرهان هو الانتقال من المستوى النظري إلى التحليلي مع محاولة وضع منهجية يمكن أن تعتمد في التعامل مع الرواية الرقمية. وأخيرا ما هي سردية الرواية الرقمية وعلى أي أسس تنبني؟ وما هي خصائصها الجمالية؟. كل هذه الأسئلة وغيرها هي التي تحكمت في إرساء دعائم هذا الكتاب ورسم ملامحه.

الدكتورة فاطمة كدو وبالرغم من اهتماماتها بقضايا المرأة والكتابة النسائية بشكل عام فإن اهتمامها بدور الرقمية والتكنولوجيات الحديثة في تشكيل خصوصية الكتابة النسائية أخذ أيضا حظه من تراكمها البحثي ويكفي هنا أن نذكر دراستها القيمة الموسومة ب ” الكتابة النسائية ومستويات الوعي بالوسائط التكنولوجية ” وهي عبارة عن مداخلة أسهمت بها الكاتبة في ندوة علمية نظلمها ماستر الكتابة النسائية في المغرب وفرقة البحث في الإبداع النسائي ، حول  موضوع كتابة المرأة والوسائط التكنولوجية نظمت بتاريخ يوم الأربعاء 13 نونبر 2019.

في مقالة لها موسومة ب" الأدب الرقمي بالمغرب: في البدء كانت الترجمة" (1) حاولت الكاتبة الدكتورة فاطمة كدو "القيام بمقاربة وصفية تحليلية لمجال غني، وما زال جد خصب، إنه مجال الترجمة الذي يتقاطع مع عدة مجالات متعددة أدبية، علمية، سياسية، وخصوصا مع جنس أدبي جديد هو الأدب الرقمي، هذا الأخير الذي يتأسس ليس فقط على قاعدة من مفاهيم ومصطلحات أدبية، ولكن أيضا تقنية الأمر الذي يجعل مهمة الترجمة عند الباحثين والمترجمين، مهمة غاية في الصعوبة. وسنقف عند رحلة المصطلحات من لغاتها الأصلية، نحو آفاق لغوية أخرى، عربية على وجه الخصوص. كما سنتناول أهمية الأدب المقارن في كل مقاربة أدبية للترجمة. وفي الأخير سنعرض نماذج المصطلحات مترجمة من العربية إلى الفرنسية، لتبيان الانسداد الذي تعاني منه الترجمة العربية في معالجتها للمصطلحات التقنية المرتبطة بالأدب الرقمي. الأمر الذي يدل على أن الترجمة كعمل يجمع معارف متعددة يجب أن يكون عملا جماعيا مؤطرا أكاديميا، وليس فرديا، وذلك من أجل ترجمة ناجحة، أو على الأقل معقولة. الكلمات المفاتيح: الترجمة، الأدب الرقمي، الأدب المقارن، رحلة المصطلح، تقنية المصطلح، أدبية المصطلح، تعدد الترجمات، تباين الترجمات. 

من جانبها الدكتورة إيمان يونس أصدرت دراسة قيمة بتقديم الدكتور محمد أسليم موسومة ب "تأثير الإنترنت على أشكال الإبداع والتلقي في الأدب العربي الحديث" عن دار الهدى للطباعة والنشر كريم سنة 2011 من الحجم المتوسط بلغ عدد صفحاتها 384ص وقد انطلق هذا البحث من مجموعة من الأسئلة: «هل يمكن الحديث عن بداية تشكل مفهوم جديد للأدب ولمنتجه ومتلقيه؟ وما هي الأنواع الأدبية الجديدة التي أفرزتها التكنولوجيا الحديثة؟ وما هي خصائصها؟ وهل نحن بحاجة إلى تسميات جديدة وتقسيم جديد للأجناس الأدبية؟ وما تأثير هذا كله على متلقي الأدب؟ بماذا يختلف قارئ النص الرقمي عن قارئ النص الورقي؟ وهل يتيح النص الورقي لقارئه نفس القدر من التفاعل الذي يتيحه النص الرقمي؟ وماذا بشأن الكاتب الرقمي؟ ما هي مواصفاته؟ وهل يكفي أن يمتلك الموهبة فقط لإنتاج نص أدبي أم يحتاج إلى ثقافة رقمية إضافية؟ وماذا عن النقد الرقمي؟، وما هي المعايير الجديدة التي يجب أن يستند إليها في الكتابة النقدية حول النص الرقمي؟ وهل يمكن الحديث عن بلاغة جديدة هي البلاغة الرقمية؟» (عن موقع محمد أسليم)

الإبداع الأدبي الرقمي النسائي

بداية تجدر الإشارة إلى ضرورة تحديد تعريف لمفهوم الإبداع الأدبي الرقمي ، إذ خلافا لما سبق أن أشرنا إليه سابقا حول حضور المرأة في الكتابة الرقمية والذي نقصد به بشكل عام إسهاماتها في عالم النشر الإلكتروني على مستوى البحوث والدراسات الرقمية والمقالات النقدية ومقالات الرأي ..إلخ التي تم توثيقها في الفضاء الرقمي أو أحيانا استنساخ متونها من السند الورقي إلى السند الرقمي فهذا في رأيي لا يعد إبداعا أدبيا رقميا في شيء سواء كان شعرا أو قصة قصيرة أو قصة قصيرة جدا أو زجلا .

لا جدال في أن عالم النشر الإلكتروني يحفل بتراكم هائل جدا من مشاركات المرأة في الكتابة منذ مطلع الألفية الثالثة مع تعاظم دور منصات جديدة للنشر الذاتي ساهمت جدا في تحرير صوت المرأة من رقابة المجتمع وسلطة هيأة التحرير التي يفرضها النشر الورقي كما خففت عنها من إكراهات الطبع والتوزيع وتحقيق متعة التواصل مع القراء.

فبعكس النشر في الجرائد والمجلات الورقية التي تفرض قوانينها وتوجهاتها الإعلامية والإيديولوجية وقبل كل شيء إكراهات الحيز الورقي الضيق فقد فسحت هذه المنصات الرقمية (مواقع إلكترونية ، منتديات ، مدونات ، مواقع التواصل الاجتماعي ) أفقا لا محدودا للنشر الذاتي وما قد تتيحه خوارزمياتها من تنسيق وتعديل وإضافات وجماليات تتعلق بالألوان والصور والفلاشات ..إلخ

ورغم كل ذلك التراكم الإبداعي الذي لا نخفي تفاؤلنا الكبير في كمه ونوعه فهو لا يعد أدبا إبداعيا رقميا بل إبداعا أدبيا إلكترونيا أي أنه أدب تتاح قراءته على حوامل إلكترونية مثل الحواسب والهواتف الذكية والتابليتات وغيرها وبالتالي فهو إبداع أدبي لا يختلف متنه الإلكتروني عن متنه الورقي سوى في نوع السند الذي ينقل إليه . فقد نعثر على قصيدة في ملحق ثقافي ورقي ويمكن أن نقرأ نفس القصيدة في موقع إلكتروني أو على صفحة فيسبوك دون أن تغير هذه المنصات من دلالات وبنيات متن القصيدة .

إن للإبداع الأدبي الرقمي خصوصيات جمالية وفنية ترتبط أساسا بممارسات رقمية وتقنية ينصهر فيها النص الأدبي وتنصهر هي أيضا في متنه لكي يتفاعل معها القارئ المفترض . ولعل من أوجب قواعد الإبداع الرقمي حتمية حضور الروابط التشعبية بمساراتها المحتملة ، ناهيك عن عناصر أخرى كالصور والفيديو والملفات الصوتية والشرائط المتحركة ..إلخ لكن ليس بالضرورة أن يقحم الكاتب(ة) جميع هذه الآليات في النص الواحد بل قد يستجيب لذلك وفق ما تطرحه بنية النص الأدبي من أحداث ومجازات واستعارات وصور ..إلخ وتشكل الروابط التشعبية مدارات أساسية في النص قد تكون عبارة عن كلمة أو جملة أو علامة أو صورة تمنح للقارئ إمكانية الانتقال من حيز إلى حيز آخر يرتبط به ارتباطا عضويا أو قد يكون مستقلا عنه في المبنى والمعنى وفي الشكل والتيمة كأن ينتقل القارئ من أبيات شعرية إلى فقرة شذرية يحتمل أن تكون بلون مختلف وبخلفية صوتية أو عبارة عن نص متحرك من اليسار إلى اليمين أو من الأسفل إلى الأعلى تماشيا مع إيحاءات النص الأدبي.

تعتبر" غرف ومرايا قصص مترابطة" (3) من  تأليف وإخراج الدكتورة لبيبة خمار التي صدرت في 14 ماي 2017  تجربة متميزة وواعدة في العالم العربي وتفتح آفاق مشرقة لارتياد المرأة هذا الفضاء السردي الرقمي الذي يتطلب علاوة على الملكة والحس الفني والتجربة الكتابية الإلمام الواسع بالممارسات الرقمية وتطبيقاتها في بنيات النصوص السردية ليس بشكل مجاني ولكن وفق سيناريو تتآصر فيه التعبيرات الأدبية بالتعبيرات الفنية والتقنية .

تشتمل هذه المجموعة القصصية الرقمية على نافذة المدخل هي عبارة عن صورة متحركة " gif" تقود القارئ إلى إحدى عشر نصا قصصيا في تنسيق دائري وليس قائمة وهي " انتصار- النافذة - قال الراوي-  لعبة الحلزون - حبة البرد  - خطيئة - حذاء الحب - وسائد وشراشف - ريحانة - هي والحمام - الشيطان الصغير " وتشكل هذه العناوين عقدا لروابط تشعبية تنقل القارئ عن طريق النقر إلى النص القصصي المرتبطة به وكل نص من هذه النصوص يضم في متنه روابط متناثرة بألوان مختلفة هي عبارة عن مفردات دالة في النص ومفتوحة في نفس الوقت على إحالات تشعبية أخرى .هذا فضلا عن فيديو يتوسط فضاء المجموعة القصصية وصورة فلاش في أسفلها.

وتبقى في اعتقادي هذه المجموعة القصصية الرقمية للكاتبة الرقمية لبيبة الخمار أهم عمل في هذا المجال وبكل صراحة يعز علينا في النهاية إثبات إن كانت هناك محاولات نسائية أخرى سواء في المغرب أو في بلدان عربية أخرى.

خاتمة

أخيرا وانطلاقا من هذا التمايز بين الكتابة الرقمية النسائية في وجهيها المختلفين بين الإبداع والنشر تتأكد هذه الجدلية الراهنة بين الحضور والغياب بين حضور لافت في منصات النشر "مواقع إلكترونية – مواقع التواصل الاجتماعي – مدونات ..إلخ" وبين غياب واضح على مستوى الإبداع الأدبي الرقمي مثلما حددناه سابقا في هذا المقال وما أنجزته الكاتبة المغربية الدكتورة لبيبة الخمار.

الهوامش

1 : "رواية الواقعية الرقمية في ضوء النقد العربي المعاصر رحلة المبدع والمتلقي والناقد"

رسالة ماجستير جديدة للباحثة المغربية ناديا أعموم بإشراف الدكتور سعيد يقطين بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس الرباط، وتكونت لجنة المناقشة من: د. محمد صغيري، د. بوبكر منور، د. عبد الرحمان نباتة. رابط الخبر

http://www.arab-ewriters.com/articlesDetiles.php?topicId=184

2 : تقرير عن اليونيسكو بعنوان (استمرار التمييز بين الرجل والمرأة في مجال العلوم)

3 : المملكة العربية السعودية عن موسوعة ويكيبيديا

4 : الدكتورة فاطمة كدو " الأدب الرقمي بالمغرب: في البدء كانت الترجمة"

https://revues.imist.ma/index.php/LCS/article/view/16844/9301

5 : الدكتورة إيمان يونس "تأثير الإنترنت على أشكال الإبداع والتلقي في الأدب العربي الحديث"

http://www.aslim.ma/site/articles.php?action=view&id=114

6 : الدكتورة لبيبة الخمار "" غرف ومرايا قصص مترابطة"

https://labiba-meroires.blogspot.com/

 


0 التعليقات: