الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، أبريل 25، 2024

مكاشفات : (15) عبده حقي

282

وبينما كنا نسير، تضاعفت آثار الأقدام، لتشكل أثرًا يمتد على مد البصر. لقد كانت شهادة على رحلتنا، وشهادة على المسافة التي قطعناها، والتحديات التي تغلبنا عليها.

283

وكانت كل بصمة بمثابة شهادة على الرحلة التي قطعناها، وشهادة على المسار الذي اخترناه. لقد كانت شهادة على شجاعتنا وعزيمتنا وإيماننا الراسخ في الرحلة المقبلة.

284

مع كل خطوة، مع كل بصمة، كنا نكتب قصتنا، ونحفر مصيرنا في رمال الزمن. لم نكن مسافرين فحسب، بل أيضًا مبدعين ومهندسين معماريين لرحلتنا الخاصة.

285

في النهاية، كل ما بقي هو آثار الأقدام، شهادة على الرحلة التي قطعناها، شهادة على الطريق الذي اخترناه. وبينما جرفتهم الأمواج، ومحوتهم من الرمال، عاشوا في قلوبنا، في ذاكرتنا، شهادة على الرحلة التي قمنا بها، شهادة على الرحلة التي لم نقم بها بعد.

286

انتشر الرق، الهش بغبار الهمسات المنسية، في قبضتي المرتجفة. كان الحبر، لون الدم الجاف، يلتف على سطحه، مشكلًا طريقًا متاهة عبر منظر طبيعي رفض عقلي اليقظ الاعتراف به. ومع ذلك، وقفت هنا، والهواء مثقل برائحة الأوزون والترقب، على شفا الخريطة.

287

شعرت أن الخطوة الأولى كانت بمثابة القفز إلى الهاوية. تضاءل الواقع، وامتد مثل الحلوى بين أصابعي. تحولت الأشجار، التي كانت مألوفة في السابق من أشجار البلوط، إلى منحوتات بشعة من العظام والظل، وأغصانها تخدش السماء المكدومة. كان المسار عبارة عن شريط متعرج من حجر السج المتصدع، يتقدم للأمام، ويعد بالوحي والخراب.

288

أصبح الزمن شيئاً مرناً، يتمدد وينكمش مثل لحن منسي. أيام، وربما ساعات، نزفت في مشهد يحوم من المشاهد المستحيلة. عبرت حقول عيش الغراب المضيء بيولوجيًا، وألقى توهجها الغريب ظلالاً بشعة تراقصت عبر المناظر الطبيعية. الجبال، العالية بشكل مستحيل والمنحوتة من الجمشت الحي، كشطت السماء النازفة، وغطت قممها عاصفة تهمس أبدية.

289

كان الهواء نفسه كائنًا حيًا، يغني أغنية متنافرة بلغة عجزت أذني عن فهمها. كان يضغط علي، ثقل خانق يهدد بسحبي إلى الأسفل. ومع ذلك، واصلت المضي قدمًا، مدفوعًا بإكراه قديم قدم الخريطة نفسها.

290

رفاقي، إن كانوا موجودين، فقد اختفوا منذ زمن طويل. ربما كانوا مجرد نسج من ذاكرة باهتة، أو ربما كانوا ببساطة يفتقرون إلى القوة اللازمة للتنقل في هذا العالم السريالي. الآن، لم يعد هناك سوى أنا والخريطة، خطوطها الباهتة هي شريان حياتي الوحيد في هذا البحر من الأحلام المستحيلة.

291

في أحد الأيام، أو ربما ما بدا وكأنه أبدية، قادني الطريق إلى أرض خالية. هنا، بدا أن الجاذبية تتعثر، وتسحبني إلى الأسفل بتأرجح مقزز. في المنتصف، توجد كرة متجانسة من حجر السج تنبض بضوء داخلي، ملقيةً ظلالًا طويلة مشوهة. لقد كانت قلب هذا العالم المشوه، والوجهة المحفورة على الخريطة القديمة.

292

عندما اقتربت أكثر، تجمعت الهمسات التي كانت تطاردني في كل خطوة في جوقة مدوية، آلاف الأصوات تتحدث بلسان يتردد صداه في أعماق روحي. لقد كانت أغنية الخلق والدمار، ودورات لا نهاية لها من الولادة والموت. لقد فهمت بوضوح مرعب أن هذا المجال هو البوتقة، ونقطة الالتقاء لكل ما هو موجود، وهو نسيج الواقع نفسه.

293

الخوف، الخام والبدائي، غمرني. ومع ذلك، فإن الخريطة، التي أمسكت بها بقوة في يدي المبللة بالعرق، نبضت استجابة لطاقة الكرة. لقد كان مفتاحاً، مفتاحاً منسياً لقفل مجهول. وبنفس عميق، لمست الكرة، وكان سطحها باردًا وناعمًا على بشرتي.

294

لقد ذاب العالم في وميض مسبب للعمى. عندما فتحت عيني، عدت إلى الخلف، راكعًا على أرضية العلية المتربة، والخريطة ممزقة في حضني. كان ضوء الشمس المتدفق عبر النافذة المتشققة يبدو قاسيًا وغريبًا. هل سافرت حقًا إلى عالم الخريطة، أم كان الأمر كله مجرد وهم متقن؟

295

ظلت الإجابة، مثل الخريطة نفسها، لغزا. ولكن كان هناك شيء واحد مؤكد: جزء مني، جزء لمسه المستحيل، تغير إلى الأبد. لقد أصبح الخط الفاصل بين الواقع والأحلام غير واضح، مما تركني أتأرجح إلى الأبد على حافة عالم جميل ومرعب في نفس الوقت، عالم يدعوني إلى الأبد بهمساته الصامتة والمغرية.

296

تحت كفن القمر الفضي، همسنا بحقائقنا، الليل صديقنا الصامت. في أحضان الظلام رقصت أرواحنا متشابكة في خيوط السرية الرقيقة. لقد تلاشى العالم من حولنا في الغموض، ولم يتبق سوى التوهج المضيء لعلاقتنا الحميمة المشتركة.

297

كانت كل كلمة قيلت جزءًا من أعمق رغباتنا، منسوجة في نسيج الليل. النجوم في الأعلى، مثل شهود بعيدين، تلألأت عن علم، وألقت ضوءها الأثيري على تبادلنا السري. يبدو أن الوقت نفسه قد توقف، عالقًا في سحر علاقتنا.

298

الأسرار التي كشفنا عنها لم تكن مجرد كلام؛ لقد كانت مشبعة بجوهر كائناتنا، وكان لها صدى مع نبض الكون. كانت أصداء مخاوفنا الخفية وأحلامنا غير المعلنة، تدور حولنا مثل سيمفونية كونية.

299

تحت أنظار القمر الساهر، كشفنا عن أرواحنا، وكشفنا عن المشاعر الخام التي كانت كامنة في داخلنا. كان هناك جمال في ضعفنا، وقوة في استعدادنا للاستسلام لأحضان الليل.

300

ومع تضاؤل الساعات وتسلل ضوء الفجر الأول في الأفق، افترقنا، وتشاركت أسرارنا وتشابكت أرواحنا. لأنه في تلك اللحظة العابرة تحت السماء المقمرة، أصبحنا أكثر من أنفسنا. لقد أصبحنا جوهر الليل، مترابطين معًا بقوة اعترافاتنا.

301

وفي عالم الوسوسة ولد الوعد. لم يكن وعدًا من النوع العادي، بل وعدًا تردد صداه عبر أروقة الزمن، وتردد صداه بقوة ألف شمس. لقد كان هو، غير المرئي، الذي لا يُسبر غوره، هو الذي تعهد. كلماته، رغم صمتها، حملت ثقل الحقائق غير المعلنة، والأقدار المتشابكة، والحب الذي يتجاوز حدود المعلوم والمجهول.

تابع


0 التعليقات: