يظهر كتاب Hypertext لجورج لاندو كأحد الأعمال التي غيّرت طريقة النظر إلى النص والقراءة في العصر الحديث. فالكاتب لا يعرض أفكاراً تقنية ولا يكتفي بوصف تطور الوسيط الرقمي، بل يقدم مشروعاً نقدياً يربط النظرية الأدبية بالتحولات التقنية التي فرضتها البيئة الرقمية.
يرى لاندو أن النص لم يعد بناءً خطياً مثلما اعتادت عليه الثقافة الورقية، بل أصبح فضاءً مفتوحاً تُعاد قراءته وفق مسارات متعددة. هذه الفكرة تشكّل نقطة الانطلاق لفهم الهايبرتكست بوصفه شكلاً جديداً للكتابة يعتمد على العلاقات المتشابكة بين المقاطع، وعلى قدرة القارئ على الانتقال الحر عبر الروابط دون الالتزام بالترتيب التقليدي.
ويستعين لاندو بنماذج نظرية من أعمال دريدا وفوكو وبارت لكي يبيّن أن الهايبرتكست ليس تقنية رقمية فقط، بل امتداد طبيعي للمفاهيم التي جاءت بها ما بعد البنيوية، خاصة تلك المتعلقة بتفكيك سلطة المؤلف وفكرة انفتاح المعنى. النص الرقمي، في نظره، لا يخضع لرؤية واحدة، ولا يمكن الإمساك به كجسد مكتمل، بل يعيش في حالة حركة دائمة.
الأمر اللافت أنّ لاندو لا يكتب وكأنه يدافع عن التكنولوجيا أو يهاجمها؛ بل يحاول فهم التحوّل من زاوية معرفية. فهو يرى أنّ علاقة القارئ بالنص تتغيّر جوهرياً حين يصبح بإمكان هذا القارئ أن يختار مسارات القراءة ويصنع تجربته الخاصة عبر الروابط. وهذا التحول، بالنسبة إليه، لا ينعكس على الأدب وحده، بل يؤثر في طريقة تعاملنا مع المعرفة نفسها.
ويفرد لاندو مساحة مهمّة لتحليل فكرة “اللانهاية” التي يتيحها النص الرقمي. فالروابط المستمرة تجعل النص قابلاً للامتداد بلا حدود، وتشجع القارئ على العودة إليه بوصفه فضاءً متجدداً. وهنا تظهر رؤيته التي تعتبر الهايبرتكست ممارسة قراءة وكتابة في آن واحد، لا مجرد وسيط تقني جديد.
بهذا المعنى، لا يبدو كتاب لاندو دراسة حول الكمبيوتر بقدر ما هو تأملٌ في مصير النص في زمنٍ تتغيّر فيه الأدوات والوظائف والحدود. ولهذا يظل العمل مرجعاً أساسياً لكل من يدرس الثقافة الرقمية والنقد المعاصر، لأنه لا يفصل بين المعرفة والتكنولوجيا، ولا بين القارئ والنص، بل يجمعها في إطار واحد يطرح سؤالاً كبيراً: كيف نقرأ في عالمٍ لم يعد النص فيه طريقاً واحداً يبدأ وينتهي، بل شبكة تتفرّع باستمرار؟







0 التعليقات:
إرسال تعليق