الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، ديسمبر 17، 2020

الربيع الذي أزهر التطبيع – عبده حقي

هل ما تعيشه الدول العربية اليوم بعد ثورات الربيع العربي التي تفجرت قبل عقد من الزمن يعتبر نتيجة حتمية لسقوط أنظمة ديكتاتورية أطعمت شعوبها خبز الشعارات والبيانات وكبلت حريتها بنظرية المؤامرة وبعبع الكيان الصهيوني فيما كان قادتها

وزعماؤها السياسيين يرتعون بفضل إسرائيل في جنة فرض الأمر الواقع بدل خلق البدائل القمينة بتغيير التاريخ نحو المستقبل .

يبدو من الواضح جدا اليوم أن إرساء علاقات ديبلوماسية بين المغرب وإسرائيل سوف يضيف حيوية وزخما قويا لمسلسل التطبيع العربي الإسرائيلي . فحسب ما ورد في البندين الذين وقعهما دونالد ترامب سيسمح الاتفاق الإسرائيلي المغربي برحلات جوية مباشرة بين البلدين ، فضلاً عن تنشيط التبادل السياحي والتجاري الذي سيساعد محيطهما الاقتصادي المتدهور بسبب جائحة كورونا على الانتعاش من جديد . كما أن التطبيع سوف يقلص من عزلة إسرائيل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وسيساهم كثيرا في ترسيخ شرعية وجودها التي تعترف به جل المنظمات والمؤسسات الدولية وتتعاون معها بعض الدول العربية والإسلامية في السر والعلن.

تروج العديد من التكهنات السياسية أن دولة سلطنة عمان قد تكون هي الدولة العربية القادمة في مسلسل التطبيع الرسمي بعدما استضافت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علنًا ، غير أن أكبر هدية عربية لإسرائيل ستكون اعتراف المملكة العربية السعودية بها ، هذه الأخيرة التي نفت حتى الآن أية نية لاتباع خطوات الدول العربية المطبعة (بكسر الباء) . ومما لاشك فيه قد يخلق التطبيع السعودي جدلا إن لم نقل انتفاضات واسعة في ربوع المملكة العربية السعودية في سياق تذمر فقهاء الدين من الإصلاحات الاجتماعية والثقافية الأخيرة التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان في ظل ثقافة دينية متوارثة منذ فجر الإسلام معادية للسامية ولإسرائيل في المدارس والمساجد وجميع الفضاءات العقائدية . كما أن السعودية بوصفها الدولة المسلمة الوصية على الحرمين الشريفين في مكة والمدينة قلقة أيضًا من الانتقادات الشديدة التي قد تتلقاها من خصومها الإقليميين خصوصا من إيران وتركيا ، والذين سيتهمونها بالتواطؤ على السلام في الشرق الأوسط وبخيانة مليار ونصف من المسلمين .!

لقد بادرت إدارة دونالد ترامب في خطوات غير مسبوقة إلى تعويض الدول العربية بسخاء مقابل اعترافها بإسرائيل حيث حصلت الإمارات العربية المتحدة على موافقة إمدادها بترسانة أسلحة بقيمة 23 مليار دولار بما في ذلك طائرات بدون طيار متقدمة جدا ومقاتلات F35 وحصل السودان على مساعدة مالية مغرية وتم التشطيب عليه نهائيا من قائمة الدول الراعية للإرهاب ؛ وأخيرا ضمن هذا التحول التاريخي حصل المغرب على اعتراف أمريكي طال انتظاره يدعم السيادة على صحرائه المتنازع عليها منذ خمسة عقود مع البوليساريو تحت المظلة العسكرية والديبلوماسية للجزائر .

واليوم  بعد ما يقرب من عشرين عامًا على مبادرة السلام العربية التي كان هدفها تقزيم الدور الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط تسعى عديد من الدول العربية لتحقيق أولويات أخرى على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي . فقد أقرت المملكة المغربية بكل وضوح أن تطوير علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل وانتزاع اعتراف الولايات المتحدة بسيادته في صحرائه أنها كانت فرصة تاريخية لا يمكن تفويتها كما تصر المملكة مثلها مثل الدول العربية الأخرى التي اعترفت بإسرائيل ، على أنها ستظل تعمل من أجل تحقيق مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة والاعتراف الكامل بإسرائيل بدلاً من مقاطعتها خصوصا أن العاهل المغربي يرأس لجنة القدس خلفا لوالده المرحوم الحسن الثاني وبدعم من السلطة الوطنية الفلسطينية .

إن اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنتهية ولايته بمغربية الصحراء يعتبر انقلاب سياسيا زلزل الديبلوماسية العالمية وبعثر أوراق الجزائر ومرتزقة البوليساريو خصوصا أن قراره من المرجح أن يحذو حذوه البرلمان الأوروبي وعديد من الدول الغربية والإفريقية والأسيوية التي تتقاطع مصالحها الاقتصادية و الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.


0 التعليقات: