ترك أمبرتو إيكو، عالم السيميائيات والمؤلف الإيطالي الشهير، بصمة لا تمحى على النظرية الأدبية، ولا سيما من خلال مفهومه عن "القارئ النموذجي".. إن هذا القارئ الافتراضي، كما تصوره إيكو، يمتلك المستوى المثالي من الكفاءة والمعرفة المطلوبة لفك المعنى المقصود للنص. وإذا كان هذا المفهوم محوريًا في التفسير الأدبي، فإن تطبيقه في هذا المشهد المتطور للأدب الرقمي يمثل تحديات وتعديلات مثيرة للاهتمام.
يقوم نموذج
القارئ الذي طرحه إيكو بسد الفجوة بين المعنى المقصود للمؤلف وتفسير القارئ
الفعلي. إن النص نفسه، من خلال بنيته ولغته ومراجعه، يخلق هذا القارئ "النموذجي"،
ويحدد التوقعات والمعرفة الأساسية اللازمة للفهم الكامل. وهذا يسمح للمؤلف بتضمين
طبقات من المعنى دون ذكرها صراحة، وهو ما يدعم تجربة القراءة النشطة حيث يتعاون
القارئ مع النص لبناء المعنى.
لقد أدى ظهور
الأدب الرقمي، الذي يشمل النص التشعبي والكتب الإلكترونية والسرد التفاعلي، إلى
تعقيد مفهوم القارئ النموذجي. غالبًا ما تمتلك هذه الأعمال الأدبية الرقمية بنيات
غير خطية، وروابط مضمنة، وعناصر وسائط متعددة تتحدى المفاهيم التقليدية
ل"القراءة". إن سيطرة المؤلف على النص قد تتضاءل في تجربة القراءة، حيث
يتنقل القراء عبر الاختيارات والعناصر التفاعلية، مما قد يشكل انحرافا وانحيازا عن
المسار المتوقع.
في هذا السياق،
يصبح القارئ النموذجي أقل كيانًا ثابتًا وأكثر إطارًا ديناميكيًا. قد يتعين على
مؤلف الأدب الرقمي النظر في نطاق أوسع من إمكانيات "القارئ النموذجي"،
وتوقع مسارات القراءة المتنوعة والتفسيرات الناشئة عن تفاعل أي مستخدم حيث يتحول
التركيز من قارئ واحد "نموذجي" إلى مجموعة من القراء المفترضين بمستويات
مختلفة من المشاركة والمعرفة السابقة.
إن الأدب الرقمي
يزدهر بمشاركة المستخدم، مما يساهم في محو الخطوط الفاصلة بين القارئ والمؤلف حيث يقوم
"المستخدم-القارئ" بتشكيل السرد بشكل فعال من خلال الاختيارات
والتفاعلات، مما قد يتجاوز إطار المؤلف الأولي للقارئ النموذجي. وبالتالي يؤدي هذا
إلى إنشاء تفاعل ديناميكي، حيث يتكيف النص مع اختيارات القارئ، ويقوم القارئ ببناء
المعنى من التجربة بشكل فعال.
يظل مفهوم
القارئ النموذجي الذي وضعه أمبرتو إيكو ذا قيمة في تحليل المشهد المعقد للأدب
الرقمي. ومع ذلك، فإنه يتطلب التكيف للاعتراف بالتفاعل المتأصل وعدم الخطية السردية
في هذه الأشكال الجديدة. ويظهر "المستخدم-القارئ" كشخصية مركزية، تعمل
بشكل فعال على تشكيل السرد والمساهمة في الخلق المستمر للمعنى في سياق رقمي. ومع
استمرار تطور الأدب الرقمي، سيتطور أيضًا مفهوم القارئ النموذجي، مما يعكس الطبيعة
الديناميكية والتشاركية لصنع المعنى في العصر الرقمي.
ترجمة عن مقال بعنوان : إمبرطو إيكو والقارئ النموذجي في العصر الرقمي
.
0 التعليقات:
إرسال تعليق